وَأَمَّا مَا تَضَمَّنَتْهُ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْمُقَامِ بِمِنَى يَوْمَ التَّرْوِيَةِ وَالْمَبِيتِ بِهَا اللَّيْلَةَ الَّتِي قَبْلَ يَوْمِ عَرَفَةَ. ثُمَّ الْمُقَامِ بعرنة - الَّتِي بَيْنَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَعَرَفَةَ - إلَى الزَّوَالِ. وَالذَّهَابِ مِنْهَا إلَى عَرَفَةَ وَالْخُطْبَةِ وَالصَّلَاتَيْنِ فِي أَثْنَاءِ الطَّرِيقِ بِبَطْنِ عرنة: فَهَذَا كَالْمُجْمَعِ عَلَيْهِ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ وَإِنْ كَانَ كَثِيرٌ مِنْ الْمُصَنِّفِينَ لَا يُمَيِّزُهُ وَأَكْثَرُ النَّاسِ لَا يَعْرِفُهُ لِغَلَبَةِ الْعَادَاتِ الْمُحْدَثَةِ. وَمِنْ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ جَمَعَ بِالْمُسْلِمِينَ جَمِيعِهِمْ بِعَرَفَةَ بَيْنَ الظُّهْر وَالْعَصْرِ وبمزدلفة بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ. وَكَانَ مَعَهُ خَلْقٌ كَثِيرٌ مِمَّنْ مَنْزِلُهُ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ وَمَا حَوْلَهَا. وَلَمْ يَأْمُرْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ بِتَفْرِيقِ كُلِّ صَلَاةٍ فِي وَقْتِهَا وَلَا أَنْ يَعْتَزِلَ الْمَكِّيُّونَ وَنَحْوُهُمْ فَلَمْ يُصَلُّوا مَعَهُ الْعَصْرَ وَأَنْ يَنْفَرِدُوا فَيُصَلُّوهَا فِي أَثْنَاءِ الْوَقْتِ دُونَ سَائِرِ الْمُسْلِمِينَ. فَإِنَّ هَذَا مِمَّا يُعْلَمُ بِالِاضْطِرَارِ لِمَنْ تَتَبَّعَ الْأَحَادِيثَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَطَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد وَعَلَيْهِ يَدُلُّ كَلَامُ أَحْمَد. وَإِنَّمَا غَفَلَ قَوْمٌ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد عَنْ هَذَا فَطَرَدُوا قِيَاسَهُمْ فِي الْجَمْعِ. وَاعْتَقَدُوا أَنَّهُ إنَّمَا جَمَعَ لِأَجْلِ السَّفَرِ وَالْجَمْعُ لِلسَّفَرِ لَا يَكُونُ إلَّا لِمَنْ سَافَرَ سِتَّةَ عَشَرَ فَرْسَخًا وَحَاضِرُوا مَكَّةَ لَيْسُوا عَنْ عرنة بِهَذَا الْبُعْدِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute