للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لَيْسَ كَذَلِكَ وَهُمْ يُسَمُّونَ الْقِيَاسَ الَّذِي حُذِفَتْ إحْدَى مُقَدِّمَتَيْهِ قِيَاسَ الضَّمِيرِ وَيَقُولُونَ إنَّهَا قَدْ تُحْذَفُ إمَّا لِلْعِلْمِ بِهَا وَإِمَّا غَلَطًا أَوْ تَغْلِيطًا. فَيُقَالُ إذَا كَانَتْ مَعْلُومَةً كَانَتْ كَغَيْرِهَا مِنْ الْمُقَدِّمَاتِ الْمَعْلُومَةِ وَحِينَئِذٍ فَلَيْسَ إضْمَارُ مُقَدِّمَةٍ بِأَوْلَى مِنْ إضْمَارِ ثِنْتَيْنِ وَثَلَاثٍ وَأَرْبَعٍ؛ فَإِنْ جَازَ أَنْ يَدَّعِيَ فِي الدَّلِيلِ الَّذِي لَا يَحْتَاجُ إلَّا إلَى مُقَدِّمَةٍ أَنَّ الْأُخْرَى تُضْمَرُ مَحْذُوفَةً جَازَ أَنْ يَدَّعِيَ فِيمَا يَحْتَاجُ إلَى ثِنْتَيْنِ أَنَّ الثَّالِثَةَ مَحْذُوفَةٌ وَكَذَلِكَ فِيمَا يَحْتَاجُ إلَى ثَلَاثٍ وَلَيْسَ لِذَلِكَ حَدٌّ وَمَنْ تَدَبَّرَ هَذَا وَجَدَ الْأَمْرَ كَذَلِكَ وَلِهَذَا لَا يُوجَدُ فِي كَلَامِ الْبُلَغَاءِ أَهْلِ الْبَيَانِ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الْبَرَاهِينَ وَالْحُجَجَ الْيَقِينِيَّةَ بِأَبْيَنِ الْعِبَارَاتِ مِنْ اسْتِعْمَالِ الْمُقَدِّمَتَيْنِ فِي كَلَامِهِمْ مَا يُوجَدُ فِي كَلَامِ أَهْلِ الْمَنْطِقِ بَلْ مَنْ سَلَكَ طَرِيقَهُمْ كَانَ مِنْ الْمُضَيِّقِينَ فِي طَرِيقِ الْعِلْمِ عُقُولًا وَأَلْسِنَةً وَمَعَانِيهِمْ مِنْ جِنْسِ أَلْفَاظِهِمْ تَجِدُ فِيهَا مِنْ الرِّكَّةِ وَالْعِيِّ مَا لَا يَرْضَاهُ عَاقِلٌ.

وَكَانَ يَعْقُوبُ بْنُ إسْحَاقَ الْكِنْدِيُّ فَيْلَسُوفَ الْإِسْلَامِ فِي وَقْتِهِ أَعْنِي الْفَيْلَسُوفَ الَّذِي فِي الْإِسْلَامِ وَإِلَّا فَلَيْسَ الْفَلَاسِفَةُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ كَمَا قَالُوا: لِبَعْضِ أَعْيَانِ الْقُضَاةِ الَّذِينَ كَانُوا فِي زَمَانِنَا: ابْنُ سِينَا مِنْ فَلَاسِفَةِ الْإِسْلَامِ؟ فَقَالَ: لَيْسَ لِلْإِسْلَامِ فَلَاسِفَةٌ. كَانَ يَعْقُوبُ يَقُولُ فِي أَثْنَاءِ كَلَامِهِ الْعَدَمُ فَقْدُ وُجُودِ كَذَا وَأَنْوَاعِ هَذِهِ الْإِضَافَاتِ. وَمَنْ وَجَدَ فِي بَعْضِ كَلَامِهِ فَصَاحَةً أَوْ بَلَاغَةً كَمَا يُوجَدُ فِي بَعْضِ كَلَامِ ابْنِ سِينَا وَغَيْرِهِ. فَلِمَا اسْتَفَادَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ عُقُولِهِمْ وَأَلْسِنَتِهِمْ وَإِلَّا فَلَوْ مَشَى عَلَى طَرِيقَةِ سَلَفِهِ وَأَعْرَضَ عَمَّا تَعَلَّمَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ