فَقَدْ أَخْبَرَ أَنَّ الْأَبْرَارَ فِي نَفْسِ النَّعِيمِ وَأَنَّهُمْ يُسْقَوْنَ مِنْ الشَّرَابِ الَّذِي وَصَفَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَيَجْلِسُونَ عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ فَكَيْفَ يُقَالُ: إنَّ الْمُقَرَّبِينَ - الَّذِينَ هُمْ أَعْلَى مِنْ هَؤُلَاءِ بِحَيْثُ يَشْرَبُونَ صِرْفَهَا وَيُمْزَجُ لِهَؤُلَاءِ مَزْجًا - إنَّمَا تَقْرِيبُهُمْ هُوَ مُجَرَّدُ النَّعِيمِ الَّذِي أُولَئِكَ فِيهِ؟ هَذَا مِمَّا يُعْلَمُ فَسَادُهُ بِأَدْنَى تَأَمُّلٍ. (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ فِي " قُرْبِهِ " الَّذِي هُوَ مِنْ لَوَازِمِ ذَاتِهِ: مِثْلَ الْعِلْمِ وَالْقُدْرَةُ فَلَا رَيْبَ أَنَّهُ قَرِيبٌ بِعِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ وَتَدْبِيرِهِ مِنْ جَمِيعِ خَلْقِهِ لَمْ يَزَلْ بِهِمْ عَالِمًا وَلَمْ يَزَلْ عَلَيْهِمْ قَادِرًا هَذَا مَذْهَبُ جَمِيعِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَعَامَّةِ الطَّوَائِفِ إلَّا مَنْ يُنْكِرُ عِلْمَهُ الْقَدِيمَ مِنْ الْقَدَرِيَّةِ وَالرَّافِضَةِ وَنَحْوِهِمْ أَوْ يُنْكِرُ قُدْرَتَهُ عَلَى الشَّيْءِ قَبْلَ كَوْنِهِ مِنْ الرَّافِضَةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرِهِمْ. " وَأَمَّا قُرْبُهُ بِنَفْسِهِ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ " قُرْبًا لَازِمًا فِي وَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ؛ وَلَا يَخْتَصُّ بِهِ شَيْءٌ: فَهَذَا فِيهِ لِلنَّاسِ قَوْلَانِ. فَمَنْ يَقُولُ هُوَ بِذَاتِهِ فِي كُلِّ مَكَانٍ يَقُولُ بِهَذَا وَمَنْ لَا يَقُولُ بِهَذَا لَهُمْ أَيْضًا فِيهِ قَوْلَانِ. (أَحَدُهُمَا إثْبَاتُ هَذَا الْقُرْبِ وَهُوَ قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ وَالصُّوفِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ يَقُولُونَ: هُوَ فَوْقَ الْعَرْشِ وَيُثْبِتُونَ هَذَا الْقُرْبَ. وَقَوْمٌ يُثْبِتُونَ هَذَا الْقُرْبَ؛ دُونَ كَوْنِهِ عَلَى الْعَرْشِ. وَإِذَا كَانَ قُرْبُ عِبَادِهِ مِنْهُ نَفْسَهُ وَقُرْبُهُ مِنْهُمْ لَيْسَ مُمْتَنِعًا عِنْدَ الْجَمَاهِيرِ مِنْ السَّلَفِ وَأَتْبَاعِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالْفُقَهَاءِ وَالصُّوفِيَّةِ وَأَهْلِ الْكَلَامِ لَمْ يَجِبْ أَنْ يُتَأَوَّلَ كُلُّ نَصٍّ فِيهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute