للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الزِّيَادَةَ قَالَ: هَذِهِ مِنْ ثِقَةٍ. وَتَرْكُ ذِكْرِهَا فِي بَقِيَّةِ الْأَحَادِيثِ لَا يَنْفِي وُجُودَهَا كَمَا أَنَّهُ لَمَّا شَكَّ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَذَكَرَ الثَّالِثَ؟ لَمْ يَقْدَحْ فِي سَائِرِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الَّتِي ثَبَتَ فِيهَا الْقَرْنُ الثَّالِثُ. وَمَنْ أَنْكَرَهَا قَالَ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ الصَّحِيحِ: أَخْبَرَ أَنَّهُ بَعْدَ الْقُرُونِ الثَّلَاثَةِ يَجِيءُ قَوْمٌ تَسْبِقُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمْ يَمِينَهُ؛ وَيَمِينُهُ شَهَادَتَهُ فَيَكُونُ مَا بَعْدَ الثَّلَاثَةِ ذُكِرَ بِذَمِّ. وَقَدْ يُقَالُ: لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْخَبَرَيْنِ؛ فَإِنَّهُ قَدْ يَظْهَرُ الْكَذِبُ فِي الْقَرْنِ الرَّابِعِ. وَمَعَ هَذَا فَيَكُونُ فِيهِ مَنْ يُفْتَحُ بِهِ لِاتِّصَالِ الرُّؤْيَةِ.

وَفِي الْقُرُونِ الَّتِي أَثْنَى عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مَذْهَبُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَصَحَّ مَذَاهِبِ أَهْلِ الْمَدَائِنِ؛ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَتَأَسَّوْنَ بِأَثَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْثَرَ مِنْ سَائِرِ الْأَمْصَارِ وَكَانَ غَيْرُهُمْ مِنْ أَهْلِ الْأَمْصَارِ دُونَهُمْ فِي الْعِلْمِ بِالسُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ وَاتِّبَاعِهَا حَتَّى أَنَّهُمْ لَا يَفْتَقِرُونَ إلَى نَوْعٍ مِنْ سِيَاسَةِ الْمُلُوكِ وَأَنَّ افْتِقَارَ الْعُلَمَاءِ وَمَقَاصِدِ الْعِبَادِ أَكْثَرُ مِنْ افْتِقَارِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ؛ حَيْثُ كَانُوا أَغْنَى مِنْ غَيْرِهِمْ عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ بِمَا كَانَ عِنْدَهُمْ مِنْ الْآثَارِ النَّبَوِيَّةِ الَّتِي يَفْتَقِرُ إلَى الْعِلْمِ بِهَا وَاتِّبَاعِهَا كُلُّ أَحَدٍ. وَلِهَذَا لَمْ يَذْهَبْ أَحَدٌ مِنْ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ إلَى أَنَّ إجْمَاعَ أَهْلِ مَدِينَةٍ مِنْ الْمَدَائِنِ حُجَّةٌ يَجِبُ اتِّبَاعُهَا غَيْرُ الْمَدِينَةِ لَا فِي تِلْكَ الْأَعْصَارِ وَلَا فِيمَا