للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ مَا ذَكَرَ الْعُلَمَاءُ مِنْ أَنَّ الْمُغَالِبَاتِ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ. فَمَا كَانَ مُعِينًا عَلَى مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ فِي قَوْلِهِ: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ} جَازَ بِجُعْلِ وَبِغَيْرِ جُعْلٍ. وَمَا كَانَ مُفْضِيًا إلَى مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ: كَالنَّرْدِ وَالشِّطْرَنْجِ: فَمَنْهِيٌّ عَنْهُ بِجُعْلٍ وَبِغَيْرِ جُعْلٍ. وَمَا قَدْ يَكُونُ فِيهِ مَنْفَعَةٌ بِلَا مَضَرَّةٍ رَاجِحَةٍ: كَالْمُسَابَقَةِ وَالْمُصَارَعَةِ: جَازَ بِلَا جُعْلٍ.

" الْوَجْهُ الثَّالِثُ " أَنْ يُقَالَ: قَوْلُ الْقَائِلِ: إنَّ الْمَيْسِرَ إنَّمَا حُرِّمَ لِمُجَرَّدِ الْمُقَامَرَةِ دَعْوَى مُجَرَّدَةٌ وَظَاهِرُ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَالِاعْتِبَارِ يَدُلُّ عَلَى فَسَادِهَا. وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {إنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ} . فَنَبَّهَ عَلَى عِلَّةِ التَّحْرِيمِ وَهِيَ مَا فِي ذَلِكَ مِنْ حُصُولِ الْمَفْسَدَةِ وَزَوَالِ الْمَصْلَحَةِ الْوَاجِبَةِ وَالْمُسْتَحَبَّةِ فَإِنَّ وُقُوعَ الْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ مِنْ أَعْظَمِ الْفَسَادِ. وَصُدُودَ الْقَلْبِ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلَاةِ اللَّذَيْنِ كُلٌّ مِنْهُمَا إمَّا وَاجِبٌ وَإِمَّا مُسْتَحَبٌّ مِنْ أَعْظَمِ الْفَسَادِ. وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ هَذَا يَحْصُلُ فِي اللَّعِبِ بِالشِّطْرَنْجِ وَالنَّرْدِ وَنَحْوِهِمَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ عِوَضٌ وَهُوَ فِي الشِّطْرَنْجِ أَقْوَى؛ فَإِنَّ أَحَدَهُمْ يَسْتَغْرِقُ قَلْبَهُ وَعَقْلَهُ وَفِكْرَهُ فِيمَا فَعَلَ خَصْمُهُ وَفِيمَا يُرِيدُ أَنْ يَفْعَلَ هُوَ وَفِي لَوَازِمِ ذَلِكَ وَلَوَازِمِ لَوَازِمِهِ حَتَّى لَا يُحِسَّ بِجُوعِهِ وَلَا عَطَشِهِ وَلَا بِمَنْ يُسَلِّمُ عَلَيْهِ وَلَا بِحَالِ أَهْلِهِ وَلَا بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ ضَرُورَاتِ نَفْسِهِ وَمَالِهِ فَضْلًا أَنْ يَذْكُرَ رَبَّهُ أَوْ الصَّلَاةَ.