للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَهَذَا كَمَا يَحْصُلُ لِشَارِبِ الْخَمْرِ؛ بَلْ كَثِيرٌ مِنْ الشُّرَّابِ يَكُونُ عَقْلُهُ أصحى مِنْ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الشِّطْرَنْجِ وَالنَّرْدِ. وَاللَّاعِبُ بِهَا لَا تَنْقَضِي نَهْمَتُهُ مِنْهَا إلَّا بدست بَعْدَ دست؛ كَمَا لَا تَنْقَضِي نَهْمَةُ شَارِبِ الْخَمْرِ إلَّا بِقَدَحِ بِقَدَحِ وَتَبْقَى آثَارُهَا فِي النَّفْسِ بَعْدَ انْقِضَائِهَا أَكْثَرَ مِنْ آثَارِ شَارِبِ الْخَمْرِ حَتَّى تَعْرِضَ لَهُ فِي الصَّلَاةِ وَالْمَرَضِ وَعِنْدَ رُكُوبِ الدَّابَّةِ؛ بَلْ وَعِنْدَ الْمَوْتِ؛ وَأَمْثَالِ ذَلِكَ مِنْ الْأَوْقَاتِ الَّتِي يُطْلَبُ فِيهَا ذِكْرُهُ لِرَبِّهِ وَتَوَجُّهُهُ إلَيْهِ. تَعْرِضُ لَهُ تَمَاثِيلُهَا وَذِكْرُ الشَّاهِ وَالرُّخِّ وَالْفِرْزَانِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. فَصَدُّهَا لِلْقَلْبِ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ قَدْ يَكُونُ أَعْظَمَ مِنْ صَدِّ الْخَمْرِ وَهِيَ إلَى الشُّرْبِ أَقْرَبُ كَمَا قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِلَاعِبِيهَا: مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ وَقَلَبَ الرُّقْعَةِ وَكَذَلِكَ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ بِسَبَبِ غَلَبَةِ أَحَدِ الشَّخْصَيْنِ لِلْآخَرِ وَمَا يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ مِنْ التَّظَالُمِ وَالتَّكَاذُبِ وَالْخِيَانَةِ الَّتِي هِيَ مِنْ أَقْوَى أَسْبَابِ الْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ وَمَا يَكَادُ لَاعِبُهَا يَسْلَمُ عَنْ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. وَالْفِعْلُ إذَا اشْتَمَلَ كَثِيرًا عَلَى ذَلِكَ وَكَانَتْ الطِّبَاعُ تَقْتَضِيهِ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ مَصْلَحَةٌ رَاجِحَةٌ حَرَّمَهُ الشَّارِعُ قَطْعًا فَكَيْفَ إذَا اشْتَمَلَ عَلَى ذَلِكَ غَالِبًا وَهَذَا أَصْلٌ مُسْتَمِرٌّ فِي أُصُولِ الشَّرِيعَةِ كَمَا قَدْ بَسَطْنَاهُ فِي " قَاعِدَةِ سَدِّ الذَّرَائِعِ " وَغَيْرِهَا وَبَيَّنَّا أَنَّ كُلَّ فِعْلٍ أَفْضَى إلَى الْمُحَرَّمِ كَثِيرًا: كَانَ سَبَبًا لِلشَّرِّ وَالْفَسَادِ؛ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَصْلَحَةٌ رَاجِحَةٌ شَرْعِيَّةٌ وَكَانَتْ مَفْسَدَتُهُ رَاجِحَةً: نُهِيَ عَنْهُ؛ بَلْ كُلُّ سَبَبٍ يُفْضِي إلَى الْفَسَادِ نُهِيَ عَنْهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَصْلَحَةٌ رَاجِحَةٌ