للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَكَيْفَ بِمَا كَثُرَ إفْضَاؤُهُ إلَى الْفَسَادِ؛ وَلِهَذَا نُهِيَ عَنْ الْخَلْوَةِ بِالْأَجْنَبِيَّةِ. وَأَمَّا النَّظَرُ فَلَمَّا كَانَتْ الْحَاجَةُ تَدْعُو إلَى بَعْضِهِ رُخِّصَ مِنْهُ فِيهَا مَا تَدْعُو لَهُ الْحَاجَةُ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ سَبَبُ الْإِبَاحَةِ كَمَا أَنَّ الْفَسَادَ وَالضَّرَرَ سَبَبُ التَّحْرِيمِ فَإِذَا اجْتَمَعَا رَجَحَ أَعْلَاهُمَا كَمَا رَجَحَ عِنْدَ الضَّرَرِ أَكْلُ الْمَيْتَةِ؛ لِأَنَّ مَفْسَدَةَ الْمَوْتِ شَرٌّ مِنْ مَفْسَدَةِ الِاغْتِذَاءِ بِالْخَبِيثِ. " وَالنَّرْدُ وَالشِّطْرَنْجُ " وَنَحْوُهُمَا مِنْ الْمُغَالِبَاتِ فِيهَا مِنْ الْمَفَاسِدِ مَا لَا يُحْصَى وَلَيْسَ فِيهَا مَصْلَحَةٌ مُعْتَبَرَةٌ؛ فَضْلًا عَنْ مَصْلَحَةٍ مُقَاوِمَةٍ. غَايَتُهُ أَنْ يُلْهِيَ النَّفْسَ وَيُرِيحَهَا كَمَا يَقْصِدُ شَارِبُ الْخَمْرِ ذَلِكَ. وَفِي رَاحَةِ النَّفْسِ بِالْمُبَاحِ الَّذِي لَا يَصُدُّ عَنْ الْمَصَالِحِ وَلَا يَجْتَلِبُ الْمَفَاسِدَ غنية وَالْمُؤْمِنُ قَدْ أَغْنَاهُ اللَّهُ بِحَلَالِهِ عَنْ حَرَامِهِ وَبِفَضْلِهِ عَمَّنْ سِوَاهُ {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} {وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} . وَفِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَه وَغَيْرِهِ {عَنْ أَبِي ذَرٍّ: أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ لَمَّا نَزَلَتْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا أَبَا ذَرٍّ لَوْ أَنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ عَمِلُوا بِهَذِهِ الْآيَةِ لَوَسِعَتْهُمْ} وَقَدْ بَيَّنَ سُبْحَانَهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ الْمُتَّقِيَ يَدْفَعُ عَنْهُ الْمَضَرَّةَ وَهُوَ أَنْ يَجْعَلَ لَهُ مَخْرَجًا مِمَّا ضَاقَ عَلَى النَّاسِ وَيَجْلِبَ لَهُ الْمَنْفَعَةَ وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ " وَكُلُّ مَا يَتَغَذَّى بِهِ الْحَيُّ مِمَّا تَسْتَرِيحُ بِهِ النُّفُوسُ وَتَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي طِيبِهَا وَانْشِرَاحِهَا فَهُوَ مِنْ الرِّزْقِ وَاَللَّهُ تَعَالَى يَرْزُقُ ذَلِكَ لِمَنْ اتَّقَاهُ بِفِعْلِ الْمَأْمُورِ وَتَرْكِ الْمَحْظُورِ. وَمَنْ طَلَبَ ذَلِكَ بِالنَّرْدِ وَالشِّطْرَنْجِ وَنَحْوِهِمَا مِنْ الْمَيْسِرِ: فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ طَلَبَ ذَلِكَ بِالْخَمْرِ وَصَاحِبُ الْخَمْرِ يَطْلُبُ الرَّاحَةَ وَلَا يَزِيدُهُ إلَّا تَعَبًا وَغَمًّا؛ وَإِنْ كَانَتْ تُفِيدُهُ