لِأَنَّهُ إنَّمَا حَرَّمَ مَا ذَكَرَ فَمَا سِوَاهُ حَلَالٌ لَهُمْ وَالنَّاسُ إنَّمَا أَمَرَهُمْ بِأَكْلِ مَا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَهُوَ إنَّمَا أَحَلَّ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْكُفَّارُ لَمْ يُحِلَّ لَهُمْ شَيْئًا فَالْحِلُّ مَشْرُوطٌ بِالْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَسْتَعِنْ بِرِزْقِهِ عَلَى عِبَادَتِهِ لَمْ يُحِلَّ لَهُ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ أَيْضًا لَمْ يُحَرِّمْهُ فَلَا يُقَالُ: إنَّ اللَّهَ أَحَلَّهُ لَهُمْ وَلَا حَرَّمَهُ وَإِنَّمَا حَرَّمَ عَلَى الَّذِينَ هَادُوا مَا ذَكَرَهُ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ. وَلِهَذَا أَنْكَرَ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ وَغَيْرِهَا عَلَى مَنْ حَرَّمَ مَا لَمْ يُحَرِّمْهُ كَقَوْلِهِ: {قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ} ثُمَّ قَالَ: {وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ} ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ} الْآيَاتِ. وَقَالَ فِي سُورَةِ النَّحْلِ: {وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ} الْآيَةَ وَأَخْبَرَ أَنَّهُ حَرَّمَ ذَلِكَ بِبَغْيِهِمْ فَقَالَ: {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ} وَقَالَ: {ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ} . وَهَذَا كُلُّهُ يَدُلُّ عَلَى أَصَحِّ قَوْلَيْ الْعُلَمَاءِ وَهُوَ: أَنَّ هَذَا التَّحْرِيمَ بَاقٍ عَلَيْهِمْ بَعْدَ مَبْعَثِ مُحَمَّدٍ لَا يَزُولُ إلَّا بِمُتَابَعَتِهِ؛ لِأَنَّهُ تَحْرِيمُ عُقُوبَةٍ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَبَغْيِهِمْ؛ وَهَذَا لَمْ يُزَلْ بَلْ زَادَ وتغلظ فَكَانُوا أَحَقَّ بِالْعُقُوبَةِ. وَأَيْضًا فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخْبَرَ بِهَذَا التَّحْرِيمِ بَعْدَ مَبْعَثِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُبَيِّنَ أَنَّهُ لَمْ يُحَرِّمْ إلَّا هَذَا وَهَذَا؛ فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ التَّحْرِيمُ قَدْ زَالَ لَمْ يَسْتَثْنِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute