لَمْ يُعَذِّبْهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَحُجَّةٌ عَلَى مَنْ كَذَّبَ بِالْقَدَرِ فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ أَخْبَرَ أَنَّ الْحَسَنَةَ مِنْ اللَّهِ وَأَنَّ السَّيِّئَةَ مِنْ نَفْسِ الْعَبْدِ وَالْقَدَرِيَّةُ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ هُوَ الْمُحْدِثُ لِلْمَعْصِيَةِ كَمَا هُوَ الْمُحْدِثُ لِلطَّاعَةِ وَاَللَّهُ عِنْدَهُمْ مَا أَحْدَثَ لَا هَذَا وَلَا هَذَا؛ بَلْ أَمَرَ بِهَذَا وَنَهَى عَنْ هَذَا. وَلَيْسَ عِنْدَهُمْ لِلَّهِ نِعْمَةٌ أَنْعَمَهَا عَلَى عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ فِي الدِّينِ إلَّا وَقَدْ أَنْعَمَ بِمِثْلِهَا عَلَى الْكُفَّارِ فَعِنْدَهُمْ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَبَا لَهَبٍ مُسْتَوِيَانِ فِي نِعْمَةِ اللَّهِ الدِّينِيَّةِ إذْ كُلٌّ مِنْهُمَا أُرْسِلَ إلَيْهِ الرَّسُولُ وَأُقْدِرَ عَلَى الْفِعْلِ وَأُزِيحَتْ عِلَّتُهُ لَكِنَّ هَذَا فَعَلَ الْإِيمَانَ بِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَخُصَّهُ بِنِعْمَةِ آمَنَ بِهَا وَهَذَا فَعَلَ الْكُفْرَ بِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُفَضِّلَ اللَّهُ عَلَيْهِ ذَلِكَ الْمُؤْمِنَ وَلَا خَصَّهُ بِنِعْمَةِ آمَنَ لِأَجْلِهَا وَعِنْدَهُمْ أَنَّ اللَّهَ حَبَّبَ الْإِيمَانَ إلَى الْكُفَّارِ كَأَبِي لَهَبٍ وَأَمْثَالِهِ كَمَا حَبَّبَهُ إلَى الْمُؤْمِنِينَ كَعَلِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَمْثَالِهِ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِ الطَّائِفَتَيْنِ وَكَرَّهَ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ إلَى الطَّائِفَتَيْنِ سَوَاءٌ لَكِنَّ هَؤُلَاءِ كَرِهُوا مَا كَرَّهَهُ اللَّهُ إلَيْهِمْ بِغَيْرِ نِعْمَةٍ خَصَّهُمْ بِهَا وَهَؤُلَاءِ لَمْ يَكْرَهُوا مَا كَرَّهَهُ اللَّهُ إلَيْهِمْ. وَمَنْ تَوَهَّمَ عَنْهُمْ أَوْ مَنْ نَقَلَ عَنْهُمْ أَنَّ الطَّاعَةَ مِنْ اللَّهِ وَالْمَعْصِيَةَ مِنْ الْعَبْدِ فَهُوَ جَاهِلٌ بِمَذْهَبِهِمْ؛ فَإِنَّ هَذَا لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ مِنْ عُلَمَاءِ الْقَدَرِيَّةِ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَقُولَهُ فَإِنَّ أَصْلَ قَوْلِهِمْ إنَّ فِعْلَ الْعَبْدِ لِلطَّاعَةِ كَفِعْلِهِ لِلْمَعْصِيَةِ كِلَاهُمَا فَعَلَهُ بِقُدْرَةِ تَحْصُلُ لَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَخُصَّهُ اللَّهُ بِإِرَادَةِ خَلَقَهَا فِيهِ وَلَا قُوَّةٍ جَعَلَهَا فِيهِ تَخْتَصُّ بِأَحَدِهِمَا فَإِذَا احْتَجُّوا بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى مَذْهَبِهِمْ كَانُوا جَاهِلِينَ بِمَذْهَبِهِمْ وَكَانَتْ الْآيَةُ حُجَّةً عَلَيْهِمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute