أَنَّهُ نَاظَرَ الْمَلَائِكَةَ فِي ذَلِكَ مُعَارِضًا لِلَّهِ تَعَالَى فِي خَلْقِهِ وَأَمْرِهِ؛ لَكِنَّ هَذِهِ الْمُنَاظَرَةَ بَيْنَ إبْلِيسَ وَالْمَلَائِكَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا الشِّهْرِسْتَانِيّ فِي أَوَّلِ الْمَقَالَاتِ وَنَقَلَهَا عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْكِتَابِ لَيْسَ لَهَا إسْنَادٌ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ وَلَوْ وَجَدْنَاهَا فِي كُتُبِ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمْ يَجُزْ أَنْ نُصَدِّقَهَا لِمُجَرَّدِ ذَلِكَ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ قَالَ {إذَا حَدَّثَكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ فَلَا تُصَدِّقُوهُمْ وَلَا تُكَذِّبُوهُمْ فَإِمَّا أَنْ يُحَدِّثُوكُمْ بِحَقِّ فَتُكَذِّبُونَهُ وَإِمَّا أَنْ يُحَدِّثُوكُمْ بِبَاطِلِ فَتُصَدِّقُونَهُ} . وَيُشْبِهُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنْ تَكُونَ تِلْكَ الْمُنَاظَرَةُ مِنْ وَضْعِ بَعْضِ الْمُكَذِّبِينَ بِالْقَدَرِ إمَّا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَإِمَّا مِنْ الْمُسْلِمِينَ. والشَّهْرَستَانِي نَقَلَهَا مِنْ كُتُبِ الْمَقَالَاتِ وَالْمُصَنِّفُونَ فِي الْمَقَالَاتِ يَنْقُلُونَ كَثِيرًا مِنْ الْمَقَالَاتِ مِنْ كُتُبِ الْمُعْتَزِلَةِ كَمَا نَقَلَ الْأَشْعَرِيُّ وَغَيْرُهُ مَا نَقَلَهُ فِي الْمَقَالَاتِ مِنْ كُتُبِ الْمُعْتَزِلَةِ فَإِنَّهُمْ مِنْ أَكْثَرِ الطَّوَائِفِ وَأَوَّلِهَا تَصْنِيفًا فِي هَذَا الْبَابِ وَلِهَذَا تُوجَدُ الْمَقَالَاتُ مَنْقُولَةً بِعِبَارَاتِهِمْ فَوَضَعُوا هَذِهِ الْمُنَاظَرَةَ عَلَى لِسَانِ إبْلِيسَ كَمَا رَأَيْنَا كَثِيرًا مِنْهُمْ يَضَعُ كِتَابًا أَوْ قَصِيدَةً عَلَى لِسَانِ بَعْضِ الْيَهُودِ أَوْ غَيْرِهِمْ وَمَقْصُودُهُمْ بِذَلِكَ الرَّدُّ عَلَى الْمُثْبِتِينَ لِلْقَدَرِ يَقُولُونَ إنَّ حُجَّةَ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ لَا تَتِمُّ إلَّا بِالتَّكْذِيبِ بِالْقَدَرِ؛ كَمَا وَضَعُوا فِي مَثَالِبِ ابْنِ كُلَّابٍ أَنَّهُ كَانَ نَصْرَانِيًّا لِأَنَّهُ أَثْبَتَ الصِّفَاتِ وَعِنْدَهُمْ مَنْ أَثْبَتَ الصِّفَاتِ فَقَدْ أَشْبَهَ النَّصَارَى وَتُتَلَقَّى أَمْثَالُ هَذِهِ الْحِكَايَاتِ بِالْقَبُولِ مِنْ الْمُنْتَسِبِينَ إلَى السُّنَّةِ مِمَّنْ لَمْ يَعْرِفْ حَقِيقَةَ أَمْرِهَا. وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ الْآيَةَ الْكَرِيمَةَ حُجَّةٌ عَلَى هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ: حُجَّةٌ عَلَى مَنْ يَحْتَجُّ بِالْقَدَرِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخْبَرَ أَنَّهُ عَذَّبَهُمْ بِذُنُوبِهِمْ فَلَوْ كَانَتْ حُجَّتُهُمْ مَقْبُولَةً
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute