فَهَذَا وَإِنْ كَانَ قَالَ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ إنَّ كُلَّ عَاصٍ فَهُوَ جَاهِلٌ. كَمَا قَدْ بُسِطَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فَهُوَ مُتَنَاوِلٌ لِمَنْ يَكُونُ عَلِمَ التَّحْرِيمَ أَيْضًا. فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ يَكُونُ عَامِلًا سُوءًا وَإِنْ كَانَ لَمْ يَسْمَعْ الْخِطَابَ الْمُبِينَ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ وَأَنَّهُ يَتُوبُ مِنْ ذَلِكَ فَيَغْفِرُ اللَّهُ لَهُ وَيَرْحَمُهُ وَإِنْ كَانَ لَا يَسْتَحِقُّ الْعِقَابَ إلَّا بَعْدَ بُلُوغِ الْخِطَابِ وَقِيَامِ الْحُجَّةِ.
وَإِذَا كَانَتْ التَّوْبَةُ وَالِاسْتِغْفَارُ تَكُونُ مِنْ تَرْكِ الْوَاجِبَاتِ وَتَكُونُ مِمَّا لَمْ يَكُنْ عُلِمَ أَنَّهُ ذَنْبٌ تَبَيَّنَ كَثْرَةُ مَا يَدْخُلُ فِي التَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ إذَا ذُكِرَتْ التَّوْبَةُ وَالِاسْتِغْفَارُ يَسْتَشْعِرُ قَبَائِحَ قَدْ فَعَلَهَا فَعَلِمَ بِالْعِلْمِ الْعَامِّ أَنَّهَا قَبِيحَةٌ: كَالْفَاحِشَةِ وَالظُّلْمِ الظَّاهِرِ. فَأَمَّا مَا قَدْ يُتَّخَذُ دِينًا فَلَا يُعْلَمُ أَنَّهُ ذَنْبٌ إلَّا مَنْ عَلِمَ أَنَّهُ بَاطِلٌ. كَدِينِ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ الْمُبَدَّلِ فَإِنَّهُ مِمَّا تَجِبُ التَّوْبَةُ وَالِاسْتِغْفَارُ مِنْهُ وَأَهْلُهُ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى هُدًى. وَكَذَلِكَ الْبِدَعُ كُلُّهَا. وَلِهَذَا قَالَ طَائِفَةٌ مِنْ السَّلَفِ - مِنْهُمْ الثَّوْرِيُّ -: الْبِدْعَةُ أَحَبُّ إلَى إبْلِيسَ مِنْ الْمَعْصِيَةِ لِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ يُتَابُ مِنْهَا وَالْبِدْعَةُ لَا يُتَابُ مِنْهَا. وَهَذَا مَعْنَى مَا رُوِيَ عَنْ طَائِفَةٍ أَنَّهُمْ قَالُوا: إنَّ اللَّهَ حَجَرَ التَّوْبَةَ عَلَى كُلِّ صَاحِبِ بِدْعَةٍ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَتُوبُ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ يَحْسَبُ أَنَّهُ عَلَى هُدًى وَلَوْ تَابَ لَتَابَ عَلَيْهِ كَمَا يَتُوبُ عَلَى الْكَافِرِ. وَمَنْ قَالَ: إنَّهُ لَا يُقْبَلُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute