للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي صِحَّةِ الْخُلْعِ بِغَيْرِ عِوَضٍ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ: هُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَد. " أَحَدُهُمَا " كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَهِيَ اخْتِيَارُ أَكْثَرِ أَصْحَابِهِ. " وَالثَّانِيَةُ " يَصِحُّ كَالْمَشْهُورِ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ وَهِيَ اخْتِيَارُ الخرقي. وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَنْوِيَ بِلَفْظِ الْخُلْعِ الطَّلَاقَ وَيَقَعَ بِهِ طَلَاقٌ بَائِنٌ لَا يَكُونُ فَسْخًا عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ أَحْمَد رَحِمَهُ اللَّهُ فَإِنَّهُ لَوْ أَجَازَ أَنْ يَكُونَ فَسْخًا بِلَا عِوَضٍ لَكَانَ الرَّجُلُ يَمْلِكُ فَسْخَ النِّكَاحِ ابْتِدَاءً وَلَا يُحْسَبُ ذَلِكَ عَلَيْهِ مِنْ الثَّلَاثِ وَهَذَا لَا يَقُولُهُ أَحَدٌ؛ فَإِنَّهُ لَوْ جَازَ ذَلِكَ لَكَانَ هَذَا يَسْتَلْزِمُ جَعْلَ الطَّلَاقِ بِغَيْرِ عَدَدٍ كَمَا كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ: وَفِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ لَمْ يَكُنْ لِلطَّلَاقِ عَدَدٌ. فَلَوْ كَانَ لَفْظُ الْفَسْخِ أَوْ غَيْرِهِ يَقَعُ وَلَا يُحْسَبُ مِنْ الثَّلَاثِ لَكَانَ ذَلِكَ يُسْتَعْمَلُ بَدَلَ لَفْظِ الطَّلَاقِ وَمَعْنَاهُ مَعْنَى الطَّلَاقِ بِلَا عَدَدٍ. وَهَذَا بَاطِلٌ. وَإِنْ قِيلَ: هُوَ طَلَاقٌ بَائِنٌ. قِيلَ: هَذَا أَشَدُّ بُطْلَانًا؛ فَإِنَّهُ إنْ قِيلَ إنَّهُ لَا يَمْلِكُ إلَّا الطَّلَاقَ الرَّجْعِيَّ وَلَا يَمْلِكُ طَلَاقًا بَائِنًا بَطَلَ هَذَا. وَإِنْ قِيلَ: إنَّهُ يَمْلِكُ إيقَاعَ طَلَاقٍ بَائِنٍ فَلَوْ جُوِّزَ لَهُ أَنْ يُوقِعَهُ بِلَفْظِ الْفَسْخِ وَلَا يَكُونُ مِنْ الثَّلَاثِ لَزِمَ الْمَحْذُورُ وَهُوَ أَنْ يُطَلِّقَ الْمَرْأَةَ كُلَّمَا شَاءَ وَلَا يُحْسَبُ عَلَيْهِ مِنْ الثَّلَاثِ. وَلِهَذَا لَمْ يَتَنَازَعْ الْعُلَمَاءُ أَنَّ لَفْظَ الْخُلْعِ بِلَا عِوَضٍ وَلَا سُؤَالٍ لَا يَكُونُ فَسْخًا؛ وَإِنَّمَا النِّزَاعُ فِيمَا إذَا طَلَبَتْ الْمَرْأَةُ أَنْ يُطَلِّقَهَا طَلْقَةً بَائِنَةً بِلَا عِوَضٍ: هَلْ تَمْلِكُ ذَلِكَ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ.