للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَيَزْعُمُ قَوْمٌ مِنْ غَالِيَةِ الْمُتَكَلِّمِينَ أَنَّهُ لَا يُسْتَدَلُّ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى شَيْءٍ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ لَا يَصِحُّ الِاسْتِدْلَالُ بِهِ عَلَى الْأُمُورِ الْعِلْمِيَّةِ لِأَنَّهُ ظَنِّيٌّ. وَأَنْوَاعٌ مِنْ هَذِهِ الْمَقَالَاتِ الَّتِي لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَهَا. فَإِنَّ طُرُقَ الْعِلْمِ وَالظَّنِّ وَمَا يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَيْهِمَا مِنْ دَلِيلٍ أَوْ مُشَاهَدَةٍ بَاطِنَةٍ أَوْ ظَاهِرَةٍ عَامٌّ أَوْ خَاصٌّ فَقَدْ تَنَازَعَ فِيهِ بَنُو آدَمَ تَنَازُعًا كَثِيرًا. وَكَذَلِكَ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالسُّنَّةِ قَدْ يَنْفِي حُصُولَ الْعِلْمِ لِأَحَدِ بِغَيْرِ الطَّرِيقِ الَّتِي يَعْرِفُهَا حَتَّى يَنْفِيَ أَكْثَرَ الدَّلَالَاتِ الْعَقْلِيَّةِ مِنْ غَيْرِ حُجَّةٍ عَلَى ذَلِكَ. وَكَذَلِكَ الْأُمُورُ الْكَشْفِيَّةُ الَّتِي لِلْأَوْلِيَاءِ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ مَنْ يُنْكِرُهَا وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ يَغْلُو فِيهَا وَخِيَارُ الْأُمُورِ أَوْسَاطُهَا. فَالطَّرِيقُ الْعَقْلِيَّةُ وَالنَّقْلِيَّةُ وَالْكَشْفِيَّةُ وَالْخَبَرِيَّةُ وَالنَّظَرِيَّةُ طَرِيقَةُ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَأَهْلِ الْكَلَامِ وَأَهْلِ التَّصَوُّفِ قَدْ تَجَاذَبَهَا النَّاسُ نَفْيًا وَإِثْبَاتًا فَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُنْكِرُ مِنْهَا مَا لَا يَعْرِفُهُ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَغْلُو فِيمَا يَعْرِفُهُ فَيَرْفَعُهُ فَوْقَ قَدْرِهِ وَيَنْفِي مَا سِوَاهُ. فَالْمُتَكَلِّمَةُ والمتفلسفة تُعَظِّمُ الطُّرُقَ الْعَقْلِيَّةَ وَكَثِيرٌ مِنْهَا فَاسِدٌ مُتَنَاقِضٌ وَهُمْ أَكْثَرُ خَلْقِ اللَّهِ تَنَاقُضًا وَاخْتِلَافًا وَكُلُّ فَرِيقٍ يَرُدُّ عَلَى الْآخَرِ فِيمَا يَدَّعِيه قَطْعِيًّا.