للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يَظُنُّ أَنَّ الَّذِينَ قَالُوا هَذَا النَّفْيَ اقْتَصَرُوا عَلَى ذَلِكَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. بَلْ مُرَادُهُمْ: أَنَّهُ مَا فَوْقَ الْعَرْشِ شَيْءٌ أَصْلًا وَلَا فَوْقَ السَّمَوَاتِ إلَّا عَدَمٌ مَحْضٌ؛ لَيْسَ هُنَاكَ إلَهٌ يُعْبَدُ وَلَا رَبٌّ يُدْعَى وَيُسْأَلُ وَلَا خَالِقٌ خَلَقَ الْخَلَائِقَ وَلَا عُرِجَ بِالنَّبِيِّ إلَى رَبِّهِ أَصْلًا هَذَا مَقْصُودُهُمْ.

وَهَذَا هُوَ الَّذِي أَوْقَعَ الِاتِّحَادِيَّةَ فِي قَوْلِهِمْ: هُوَ نَفْسُ الْمَوْجُودَاتِ؛ إذْ لَمْ تَجِدْ قُلُوبُهُمْ مَوْجُودًا إلَّا هَذِهِ الْمَوْجُودَاتِ؛ إذَا لَمْ يَكُنْ فَوْقَهَا شَيْءٌ آخَرُ وَهَذَا مِنْ الْمَعَارِفِ الْفِطْرِيَّةِ الشهودية الْوُجُودِيَّةِ: أَنَّهُ لَيْسَ إلَّا هَذَا الْوُجُودُ الْمَخْلُوقُ؛ أَوْ وُجُودٌ آخَرُ مُبَايِنٌ لَهُ مُتَمَيِّزٌ عَنْهُ لَا سِيَّمَا إذَا عَلِمُوا أَنَّ الْأَفْلَاكَ مُسْتَدِيرَةٌ وَأَنَّ الْأَعْلَى هُوَ الْمُحِيطُ. فَإِنَّهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ لَيْسَ إلَّا هَذَا الْوُجُودُ الْمَخْلُوقُ؛ أَوْ مَوْجُودٌ فَوْقَهُ. فَإِذَا اعْتَقَدُوا مَعَ ذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ وُجُودٌ آخَرُ وَلَا فَوْقَ الْعَالَمِ شَيْءٌ؛ لَزِمَ أَنْ يَقُولُوا: هُوَ هَذَا الْوُجُودُ الْمَخْلُوقُ؛ كَمَا قَالَ الِاتِّحَادِيَّةُ. وَهَذِهِ بِعَيْنِهَا هِيَ حُجَّةُ الِاتِّحَادِيَّةِ. وَهَذَا بِعَيْنِهِ هُوَ مَشْرَبُ قُدَمَاءِ الْجَهْمِيَّة وحدثائهم كَمَا يَقُولُونَ: هُوَ فِي كُلِّ مَكَانٍ وَلَيْسَ هُوَ فِي مَكَانٍ. وَلَا يَخْتَصُّ بِشَيْءِ. يَجْمَعُونَ دَائِمًا بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ الْمُتَنَاقِضَيْنِ لِأَنَّهُمْ يُرِيدُونَ إثْبَاتَ مَوْجُودٍ؛ وَلَيْسَ عِنْدَهُمْ شَيْءٌ فَوْقَ الْعَالَمِ. فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْعَالَمَ أَوْ يَكُونَ فِيهِ. ثُمَّ يُرِيدُونَ إثْبَاتَ شَيْءٍ غَيْرِ الْمَخْلُوقِ؛