للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَكُلُّ كَلَامٍ فِي الْوُجُودِ كَلَامُهُ سَوَاءٌ عَلَيْنَا نَثْرُهُ وَنِظَامُهُ فَيَجْعَلُونَ كَلَامَ الْمَخْلُوقِينَ - مِنْ الْكُفْرِ وَالْكَذِبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ - كَلَامًا لِلَّهِ. وَأَمَّا هَذَا الْمُلْحِدُ فَزَادَ عَلَى هَؤُلَاءِ فَجَعَلَ كَلَامَ الْخَلْقِ وَعِبَادَتَهُمْ نَفْسَ وُجُودِهِ لَمْ يَجْعَلْ ذَلِكَ كَلَامًا لَهُ بَلْ نَفَى أَنْ يَكُونَ هَذَا كَلَامًا لَهُ لِئَلَّا يُثْبِتَ غَيْرًا لَهُ.

وَقَدْ عُلِمَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَبِالْعُلُومِ الْعَقْلِيَّةِ الضَّرُورِيَّةِ: إثْبَاتُ غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَنَّ كُلَّ مَا سِوَاهُ مِنْ الْمَخْلُوقَاتِ فَإِنَّهُ غَيْرُ اللَّهِ تَعَالَى لَيْسَ هُوَ اللَّهَ وَلَا صِفَةً مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ. وَلِهَذَا أَنْكَرَ اللَّهُ عَلَى مَنْ عَبَدَ غَيْرَهُ - وَلَوْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ غَيْرٌ لَمَا صَحَّ الْإِنْكَارُ - قَالَ تَعَالَى: {قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ} وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} وَقَالَ تَعَالَى: {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} وَقَالَ تَعَالَى: {أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا} .

وَكَذَلِكَ قَوْلُ الْقَائِلِ: وَجَدْت الْمَحَبَّةَ غَيْرَ الْمَقْصُودِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ إلَّا مِنْ غَيْرٍ لِغَيْرِ وَغَيْرٌ مَا ثَمَّ وَوَجَدْت التَّوْحِيدَ غَيْرَ الْمَقْصُودِ؛ لِأَنَّ التَّوْحِيدَ مَا يَكُونُ إلَّا مِنْ عَبْدٍ لِرَبِّ وَلَوْ أَنْصَفَ النَّاسُ مَا رَأَوْا عَبْدًا وَلَا مَعْبُودًا: هُوَ كَلَامٌ فِيهِ مِنْ الْكُفْرِ وَالْإِلْحَادِ وَالتَّنَاقُضِ مَا لَا يَخْفَى.