وَأَمَّا قَوْلُ الْقَائِلِ: إنَّ الْحَوَائِجَ تُقْضَى لَهُمْ بَعْضَ الْأَوْقَاتِ فَهَلْ يُسَوِّغُ ذَلِكَ لَهُمْ قَصْدَهَا؟ فَيُقَالُ: لَيْسَ ذَلِكَ مُسَوِّغُ قَصْدِهَا لِوُجُوهِ: أَحَدُهَا: أَنَّ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلَ الْكِتَابِ يُقْضَى كَثِيرٌ مِنْ حَوَائِجِهِمْ بِالدُّعَاءِ عِنْدَ الْأَصْنَامِ وَعِنْدَ تَمَاثِيلِ الْقِدِّيسِينَ وَالْأَمَاكِنِ الَّتِي يُعَظِّمُونَهَا؛ وَتَعْظِيمُهَا حَرَامٌ فِي زَمَنِ الْإِسْلَامِ. فَهَلْ يَقُولُ مُسْلِمٌ: إنَّ مِثْلَ ذَلِكَ سَوَّغَ لَهُمْ هَذَا الْفِعْلَ الْمُحَرَّمَ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَمَا تَجِدُ عِنْدَ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ وَالْبِدَعِ مِنْ الْأَسْبَابِ - الَّتِي بِهَا ابْتَدَعُوا مَا ابْتَدَعُوهُ - إلَّا تَجِدُ عِنْدَ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ جِنْسِ تِلْكَ الْأَسْبَابِ مَا أَوْقَعَهُمْ فِي كُفْرِهِمْ وَأَشَدُّ وَمَنْ تَدَبَّرَ هَذَا: وَجَدَهُ فِي عَامَّةِ الْأُمُورِ فَإِنَّ الْبِدَعَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْكُفْرِ وَكَمَالُ الْإِيمَانِ: هُوَ فِعْلُ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ وَتَرْكُ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ وَرَسُولُهُ فَإِذَا تَرَكَ بَعْضَ الْمَأْمُورِ وَعَوَّضَ عَنْهُ بِبَعْضِ الْمَحْظُورِ كَانَ فِي ذَلِكَ مِنْ نَقْصِ الْإِيمَانِ بِقَدْرِ ذَلِكَ. وَالْبِدْعَةُ لَا تَكُونُ حَقًّا مَحْضًا؛ إذْ لَوْ كَانَتْ كَذَلِكَ لَكَانَتْ مَشْرُوعَةً وَلَا تَكُونُ مَصْلَحَتُهَا رَاجِحَةً عَلَى مَفْسَدَتِهَا؛ إذْ لَوْ كَانَتْ كَذَلِكَ لَكَانَتْ مَشْرُوعَةً وَلَا تَكُونُ بَاطِلًا مَحْضًا لَا حَقَّ فِيهِ؛ إذْ لَوْ كَانَتْ كَذَلِكَ لَمَا اشْتَبَهَتْ عَلَى أَحَدٍ وَإِنَّمَا يَكُونُ فِيهَا بَعْضُ الْحَقِّ وَبَعْضُ الْبَاطِلِ. وَكَذَلِكَ دِينُ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ كُلَّ مَا يُخْبِرُونَ بِهِ كَذِبًا وَكُلُّ مَا يَأْمُرُونَ بِهِ فَسَادًا؛ بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِي خَبَرِهِمْ صِدْقٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute