للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَكَثِيرٌ مِنْ النُّظَّارِ يَسْلُكُ طَرِيقًا فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى الْمَطْلُوبِ وَيَقُولُ: لَا يُوصَلُ إلَى مَطْلُوبٍ إلَّا بِهَذَا الطَّرِيقِ؛ وَلَا يَكُونُ الْأَمْرُ كَمَا قَالَهُ فِي النَّفْيِ؛ وَإِنْ كَانَ مُصِيبًا فِي صِحَّةٍ ذَلِكَ الطَّرِيقِ فَإِنَّ الْمَطْلُوبَ كُلَّمَا كَانَ النَّاسُ إلَى مَعْرِفَتِهِ أَحْوَجَ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَى عُقُولِ النَّاسِ مَعْرِفَةَ أَدِلَّتِهِ فَأَدِلَّةُ إثْبَاتِ الصَّانِعِ وَتَوْحِيدِهِ وَأَعْلَامِ النُّبُوَّة وَأَدِلَّتِهَا كَثِيرَةٌ جِدًّا؛ وَطُرُقُ النَّاسِ فِي مَعْرِفَتِهَا كَثِيرَةٌ.

وَكَثِيرٌ مِنْ الطُّرُقِ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ أَكْثَرُ النَّاسِ، وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مَنْ لَمْ يَعْرِفْ غَيْرَهُ. أَوْ مَنْ أَعْرَضَ عَنْ غَيْرِهِ. وَبَعْضُ النَّاسِ يَكُونُ كُلَّمَا كَانَ الطَّرِيقُ أَدَقَّ وَأَخْفَى وَأَكْثَرَ مُقَدِّمَاتٍ وَأَطْوَلَ كَانَ أَنْفَعَ لَهُ؛ لِأَنَّ نَفْسَهُ اعْتَادَتْ النَّظَرَ فِي الْأُمُورِ الدَّقِيقَةِ؛ فَإِذَا كَانَ الدَّلِيلُ قَلِيلَ الْمُقَدِّمَاتِ أَوْ كَانَتْ جَلِيَّةً لَمْ تَفْرَحْ نَفْسُهُ بِهِ؛ وَمِثْلُ هَذَا قَدْ تُسْتَعْمَلُ مَعَهُ الطُّرُقُ الْكَلَامِيَّةُ الْمَنْطِقِيَّةُ وَغَيْرُهَا لِمُنَاسَبَتِهَا لِعَادَتِهِ؛ لَا لِكَوْنِ الْعِلْمِ بِالْمَطْلُوبِ مُتَوَقِّفًا عَلَيْهَا مُطْلَقًا. فَإِنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ إذَا عَرَفَ مَا يَعْرِفُهُ جُمْهُورُ النَّاسِ وَعُمُومُهُمْ أَوْ مَا يُمْكِنُ غَيْرَ الْأَذْكِيَاءِ مَعْرِفَتُهُ لَمْ يَكُنْ عِنْدَ نَفْسِهِ قَدْ امْتَازَ عَنْهُمْ بِعِلْمِ. فَيُحِبُّ مَعْرِفَةَ الْأُمُورِ الْخَفِيَّةِ الدَّقِيقَةِ الْكَثِيرَةِ الْمُقَدِّمَاتِ. وَلِهَذَا يَرْغَبُ كَثِيرٌ مِنْ عُلَمَاءِ السُّنَّةِ فِي النَّظَرِ فِي الْعُلُومِ الصَّادِقَةِ الدَّقِيقَةِ كَالْجَبْرِ وَالْمُقَابَلَةِ وَعَوِيصِ الْفَرَائِضِ وَالْوَصَايَا وَالدُّورِ وَهُوَ عِلْمٌ صَحِيحٌ فِي نَفْسِهِ. وَ " عِلْمُ الْفَرَائِضِ نَوْعَانِ ": أَحْكَامٌ وَحِسَابٌ. فَالْأَحْكَامُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ: عِلْمُ الْأَحْكَامِ عَلَى مَذْهَبِ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ وَهَذَا أَوَّلُهَا. وَيَلِيهِ عِلْمُ أَقَاوِيلِ الصَّحَابَةِ فِيمَا