للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْكَاذِبِ الْفَاجِرِ الظَّالِمِ بَلْ يَرَوْنَ مِنْ ثَوَابِ الْحَسَنَاتِ وَعُقُوبَةِ السَّيِّئَاتِ مَا فِيهِ عِبْرَةٌ وَمُزْدَجَرٌ كَمَا كَانُوا عَلَيْهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ قَبْلَ الرُّسُلِ فَلَمَّا جَاءَتْ الرِّسَالَةُ بِوَعِيدِ الْآخِرَةِ بَيَّنَ ذَلِكَ مَا كَانَ النَّاسُ عَنْهُ غَافِلِينَ.

الطَّرَفُ الثَّانِي: طَرَفُ الْغَالِيَةِ الْمُتَشَدِّدِينَ الَّذِينَ لَا يَرَوْنَ لِلِاعْتِقَادِ أَثَرًا فِي الْأَفْعَالِ بَلْ يَقُولُ غَالِيَتُهُمْ كَقَوْمٍ مِنْ مُتَكَلِّمَةِ الْمُعْتَزِلَةِ: إنَّ لِلَّهِ حُكْمًا فِي كُلِّ فِعْلٍ مَنْ أَخْطَأَهُ كَانَ آثِمًا مُعَاقَبًا فَيَرَوْنَ الْمُسْلِمَ الْعَالِمَ الْمُجْتَهِدَ مَتَى خَفِيَ عَلَيْهِ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ وَقَدْ اجْتَهَدَ وَاسْتَفْرَغَ وُسْعَهُ فِي طَلَبِ حُكْمِ اللَّهِ أَنَّهُ آثِمٌ مُعَاقَبٌ عَلَى خَطَئِهِ فَهَذَا قَوْلُهُمْ فِي الِاجْتِهَادِ وَالِاعْتِقَادِ ثُمَّ إذَا تَرَكَ وَاجِبًا أَوْ فَعَلَ مُحَرَّمًا قَالُوا بِنُفُوذِ الْوَعِيدِ فِيهِ فَيُوجِبُونَ تَخْلِيدَ فُسَّاقِ أَهْلِ الْمِلَّةِ فِي النَّارِ وَهَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْخَوَارِجِ وَلَكِنْ الْخَوَارِجُ يُكَفِّرُونَ بِالذَّنْبِ الْكَبِيرِ أَوْ الصَّغِيرِ عِنْدَ بَعْضِهِمْ. وَأَمَّا الْمُعْتَزِلَةُ فَيَقُولُونَ: هُوَ فِي مَنْزِلَةٍ بَيْنَ مَنْزِلَتَيْنِ لَا مُؤْمِنٌ وَلَا كَافِرٌ.

وَأَمَّا الْأُمَّةُ الْوَسَطُ فَعَلَى أَنَّ الِاعْتِقَادَ قَدْ يُؤَثِّرُ فِي الْأَحْكَامِ وَقَدْ لَا يُؤَثِّرُ بِحَسَبِ الْأَدِلَّةِ وَالْأَسْبَابِ كَمَا أَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْوَاقِعُ فِي الْأُمُورِ الطَّبِيعِيَّةِ فَالْأَغْذِيَةُ وَالْأَدْوِيَةُ قَدْ يَخْتَلِفُ حُكْمُهَا بِحَسَبِ اعْتِقَادِ الطَّبِيبِ وَالْمُتَدَاوِي وَقَدْ لَا يَخْتَلِفُ وَقَدْ يَعْتَقِدُ الْإِنْسَانُ فِي الشَّيْءِ صِفَةً نَافِعَةً أَوْ ضَارَّةً فَيَنْتَفِعُ بِهِ أَوْ يَتَضَرَّرُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ وَقَدْ يَعْتَقِدُ ذَلِكَ