للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الِاعْتِبَارِ. وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ: لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ التَّعْوِيضِ وَالْأَجْرِ وَالِامْتِنَانِ وَقَدْ يَحْصُلُ لَهُ ثَوَابٌ بِغَيْرِ عَمَلٍ كَمَا يُفْعَلُ عَنْهُ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ. وَأَمَّا الصَّبْرُ عَلَى الْمَصَائِبِ فَفِيهَا أَجْرٌ عَظِيمٌ قَالَ تَعَالَى: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} {الَّذِينَ إذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ} {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} . فَالرَّجُلُ إذَا ظُلِمَ بِجُرْحِ وَنَحْوِهِ فَتَصَدَّقَ بِهِ كَانَ الْجُرْحُ مُصِيبَةً يُكَفَّرُ بِهَا عَنْهُ وَيُؤْجَرُ عَلَى صَبْرِهِ وَعَلَى إحْسَانِهِ إلَى الظَّالِمِ بِالْعَفْوِ عَنْهُ؛ فَإِنَّ الْإِحْسَانَ يَكُونُ بِجَلْبِ مَنْفَعَةٍ وَبِدَفْعِ مَضَرَّةٍ؛ وَلِهَذَا سَمَّاهُ اللَّهُ صَدَقَةً. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَسَارِعُوا إلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} فَذَكَرَ: أَنَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ. وَتَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّ هَذَا مِنْ الْإِحْسَانِ. وَالْإِحْسَانُ ضِدُّ الْإِسَاءَةِ وَهُوَ فِعْلُ الْحَسَنِ سَوَاءٌ كَانَ لَازِمًا لِصَاحِبِهِ أَوْ مُتَعَدِّيًا إلَى الْغَيْرِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إلَّا مِثْلَهَا} . فَالْكَاظِمُ لِلْغَيْظِ وَالْعَافِي عَنْ النَّاسِ قَدْ أَحْسَنَ إلَى نَفْسِهِ وَإِلَى النَّاسِ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ عَمِلَ حَسَنَةً مَعَ نَفْسِهِ وَمَعَ النَّاسِ وَمَنْ أَحْسَنَ إلَى النَّاسِ فَإِلَى نَفْسِهِ. كَمَا يُرْوَى عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ أَنَّهُ قَالَ: مَا أَحْسَنْت إلَى أَحَدٍ وَمَا أَسَأْت إلَى أَحَدٍ