للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَإِنَّ الْأَبَ لَوْ فَعَلَ فِعْلًا افْتَقَرَ بِهِ حَتَّى تَضَرَّرَ بَنُوهُ فَأَخَذُوا يَلُومُونَهُ لِأَجْلِ مَا لَحِقَهُمْ مِنْ الْفَقْرِ: لَمْ يَكُنْ هَذَا كَلَوْمِهِ لِأَجْلِ كَوْنِهِ أَذْنَبَ. وَالْعَبْدُ مَأْمُورٌ أَنْ يَصْبِرَ عَلَى الْمَقْدُورِ وَيُطِيعَ الْمَأْمُورَ وَإِذَا أَذْنَبَ اسْتَغْفَرَ. كَمَا قَالَ تَعَالَى: {فَاصْبِرْ إنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} وَقَالَ تَعَالَى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} . قَالَ طَائِفَةٌ مِنْ السَّلَفِ: هُوَ الرَّجُلُ تُصِيبُهُ الْمُصِيبَةُ فَيَعْلَمُ أَنَّهَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَيَرْضَى وَيُسَلِّمُ.

فَمَنْ احْتَجَّ بِالْقَدَرِ عَلَى تَرْكِ الْمَأْمُورِ وَجَزِعَ مِنْ حُصُولِ مَا يَكْرَهُهُ مِنْ الْمَقْدُورِ فَقَدْ عَكَسَ الْإِيمَانَ وَالدِّينَ وَصَارَ مِنْ حِزْبِ الْمُلْحِدِينَ الْمُنَافِقِينَ وَهَذَا حَالُ الْمُحْتَجِّينَ بِالْقَدَرِ. فَإِنَّ أَحَدَهُمْ إذَا أَصَابَتْهُ مُصِيبَةٌ عَظُمَ جَزَعُهُ وَقَلَّ صَبْرُهُ فَلَا يَنْظُرُ إلَى الْقَدَرِ وَلَا يُسَلِّمُ لَهُ وَإِذَا أَذْنَبَ ذَنْبًا أَخَذَ يَحْتَجُّ بِالْقَدَرِ فَلَا يَفْعَلُ الْمَأْمُورَ وَلَا يَتْرُكُ الْمَحْظُورَ وَلَا يَصْبِرُ عَلَى الْمَقْدُورِ وَيَدَّعِي مَعَ هَذَا أَنَّهُ مِنْ كِبَارِ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ الْمُتَّقِينَ وَأَئِمَّةِ الْمُحَقِّقِينَ الْمُوَحِّدِينَ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ أَعْدَاءِ اللَّهِ الْمُلْحِدِينَ وَحِزْبِ الشَّيْطَانِ اللَّعِينِ. وَهَذَا الطَّرِيقُ إنَّمَا يَسْلُكُهُ أَبْعَدُ النَّاسِ عَنْ الْخَيْرِ وَالدِّينِ وَالْإِيمَانِ تَجِدُ أَحَدَهُمْ أَجْبَرَ النَّاسَ إذَا قَدَرَ وَأَعْظَمَهُمْ ظُلْمًا وَعُدْوَانًا وَأَذَلَّ النَّاسَ إذَا قُهِرَ وَأَعْظَمَهُمْ جَزَعًا وَوَهَنًا؛ كَمَا جَرَّبَهُ النَّاسُ مِنْ الْأَحْزَابِ الْبَعِيدِينَ عَنْ الْإِيمَانِ بِالْكِتَابِ وَالْمُقَاتِلَةِ مِنْ أَصْنَافِ النَّاسِ.