للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالْقُرْآنُ جَاءَ بِالْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى؛ بِالْآيَاتِ الْبَيِّنَاتِ وَهِيَ الدَّلَائِلُ الْيَقِينِيَّاتُ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِرَسُولِهِ: {ادْعُ إلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} والمتفلسفة يُفَسِّرُونَ ذَلِكَ بِطُرُقِهِمْ الْمَنْطِقِيَّةِ فِي الْبُرْهَانِ وَالْخَطَابَةِ وَالْجَدَلِ وَهُوَ ضَلَالٌ مِنْ وُجُوهٍ قَدْ بُسِطَتْ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ بَلْ الْحِكْمَةُ هِيَ مَعْرِفَةُ الْحَقِّ وَالْعَمَلُ بِهِ فَالْقُلُوبُ الَّتِي لَهَا فَهْمٌ وَقَصْدٌ تُدْعَى بِالْحِكْمَةِ فَيَبِينُ لَهَا الْحَقُّ عِلْمًا وَعَمَلًا فَتَقْبَلُهُ وَتَعْمَلُ بِهِ. وَآخَرُونَ يَعْتَرِفُونَ بِالْحَقِّ لَكِنَّ لَهُمْ أَهْوَاءً تَصُدُّهُمْ عَنْ اتِّبَاعِهِ فَهَؤُلَاءِ يُدْعَوْنَ بِالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى التَّرْغِيبِ فِي الْحَقِّ وَالتَّرْهِيبِ مِنْ الْبَاطِلِ. وَالْوَعْظُ أَمْرٌ وَنَهْيٌ بِتَرْغِيبِ وَتَرْهِيبٍ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ} وَقَالَ تَعَالَى: {يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا} فَالدَّعْوَةُ بِهَذَيْنِ الطَّرِيقَيْنِ لِمَنْ قَبِلَ الْحَقَّ وَمَنْ لَمْ يَقْبَلْهُ فَإِنَّهُ يُجَادَلُ بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ. وَالْقُرْآنُ مُشْتَمِلٌ عَلَى هَذَا وَهَذَا وَلِهَذَا إذَا جَادَلَ يَسْأَلُ وَيَسْتَفْهِمُ عَنْ الْمُقَدِّمَاتِ الْبَيِّنَةِ الْبُرْهَانِيَّةِ الَّتِي لَا يُمْكِنُ أَحَدٌ أَنْ يَجْحَدَهَا؛ لِتَقْرِيرِ الْمُخَاطَبِ بِالْحَقِّ وَلِاعْتِرَافِهِ بِإِنْكَارِ الْبَاطِلِ كَمَا فِي مِثْلِ قَوْلِهِ: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} وَقَوْلِهِ: {أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ} وَقَوْلِهِ: {أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ