وَأَمَّا مَنْ ظَنَّ أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ قُرْبُ ذَاتِ الرَّبِّ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ أَوْ أَنَّ ذَاتَه أَقْرَبُ إلَى الْمَيِّتِ مِنْ أَهْلِهِ؛ فَهَذَا فِي غَايَةِ الضَّعْفِ؛ وَذَلِكَ أَنَّ الَّذِينَ يَقُولُونَ: إنَّهُ فِي كُلِّ مَكَانٍ أَوْ أَنَّهُ قَرِيبٌ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ بِذَاتِهِ لَا يَخُصُّونَ بِذَلِكَ شَيْئًا دُونَ شَيْءٍ وَلَا يُمْكِنُ مُسْلِمًا أَنْ يَقُولَ: إنَّ اللَّهَ قَرِيبٌ مِنْ الْمَيِّتِ دُونَ أَهْلِهِ وَلَا إنَّهُ قَرِيبٌ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ دُونَ سَائِرِ الْأَعْضَاءِ. وَكَيْفَ يَصِحُّ هَذَا الْكَلَامُ عَلَى أَصْلِهِمْ وَهُوَ عِنْدَهُمْ فِي جَمِيعِ بَدَنِ الْإِنْسَانِ؛ أَوْ قَرِيبٌ مِنْ جَمِيعِ بَدَنِ الْإِنْسَانِ أَوْ هُوَ فِي أَهْلِ الْمَيِّتِ كَمَا هُوَ فِي الْمَيِّتِ؛ فَكَيْفَ يَقُولُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إلَيْهِ مِنْكُمْ إذَا كَانَ مَعَهُ وَمَعَهُمْ عَلَى وَجْهٍ وَاحِدٍ وَهَلْ يَكُونُ أَقْرَبَ إلَى نَفْسِهِ مِنْ نَفْسِهِ وَسِيَاقُ الْآيَتَيْنِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْمَلَائِكَةُ؛ فَإِنَّهُ قَالَ: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} {إذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ} {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} فَقَيَّدَ الْقُرْبَ بِهَذَا الزَّمَانِ وَهُوَ زَمَانُ تَلَقِّي الْمُتَلَقِّيَيْنِ قَعِيدٌ عَنْ الْيَمِينِ وَقَعِيدٌ عَنْ الشِّمَالِ وَهُمَا الْمَلَكَانِ الْحَافِظَانِ اللَّذَانِ يَكْتُبَانِ كَمَا قَالَ: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} . وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ قُرْبَ ذَاتِ الرَّبِّ لَمْ يَخْتَصَّ ذَلِكَ بِهَذِهِ الْحَالِ وَلَمْ يَكُنْ لِذِكْرِ الْقَعِيدَيْنِ وَالرَّقِيبِ وَالْعَتِيدِ مَعْنًى مُنَاسِبٌ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: {فَلَوْلَا إذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ} {وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute