للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بِهَذَا الْأَكْلِ الَّذِي يُوجِدُ أَلَمًا أَكْثَرَ مِنْ الْأَوَّلِ؛ فَهُوَ يَتَأَلَّمُ إنْ أَكَلَ؛ وَيَتَأَلَّمُ إنْ لَمْ يَأْكُلْ. فَكَذَلِكَ إذَا بُلِيَ بِحُبِّ مَنْ لَا يَنْفَعُهُ الْعِشْقُ وَنَحْوُهُ سَوَاءٌ كَانَ لِصُورَةِ أَوْ لِرِئَاسَةِ أَوْ لِمَالِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ مَحْبُوبُهُ وَمَطْلُوبُهُ فَهُوَ مُتَأَلِّمٌ وَمَرِيضٌ سَقِيمٌ؛ وَإِنْ حَصَلَ مَحْبُوبُهُ فَهُوَ أَشَدُّ مَرَضًا وَأَلَمًا وَسَقَمًا؛ وَلِذَلِكَ كَمَا أَنَّ الْمَرِيضَ إذَا كَانَ يُبْغِضُ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ كَانَ ذَلِكَ الْأَلَمُ حَاصِلًا؛ وَكَانَ دَوَامُهُ عَلَى ذَلِكَ يُوجِبُ مِنْ الْأَلَمِ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى يَقْتُلَهُ؛ حَتَّى يَزُولَ مَا يُوجِبُ بُغْضَهُ لِمَا يَنْفَعُهُ وَيَحْتَاجُ إلَيْهِ؛ فَهُوَ مُتَأَلِّمٌ فِي الْحَالِ؛ وَتَأَلُّمُهُ فِيمَا بَعْدُ إنْ لَمْ يُعَافِهِ اللَّهُ أَعْظَمُ وَأَكْبَرُ. فَبُغْضُ الْحَاسِدِ لِنِعْمَةِ اللَّهِ عَلَى الْمَحْسُودِ كَبُغْضِ الْمَرِيضِ لِأَكْلِ الْأَصِحَّاءِ لِأَطْعِمَتِهِمْ وَأَشْرِبَتِهِمْ حَتَّى لَا يَقْدِرَ أَنْ يَرَاهُمْ يَأْكُلُونَ؛ وَنَفْرَتُهُ عَنْ أَنْ يَقُومَ بِحَقِّهِ كَنَفْرَةِ الْمَرِيضِ عَمَّا يَصْلُحُ لَهُ مِنْ طَعَامٍ وَشَرَابٍ؛ فَالْحُبُّ وَالْبُغْضُ الْخَارِجُ عَنْ الِاعْتِدَالِ وَالصِّحَّةِ فِي النَّفْسِ كَالشَّهْوَةِ وَالنَّفْرَةِ الْخَارِجِ عَنْ الِاعْتِدَالِ وَالصِّحَّةِ فِي الْجِسْمِ. وَعَمَى الْقَلْبِ وَبُكْمِهِ أَنْ يُبْصِرَ الْحَقَائِقَ وَيُمَيِّزَ مَا يَنْفَعُهُ وَيَضُرُّهُ كَعَمَى الْجِسْمِ وَخَرَسِهِ عَنْ أَنْ يُبْصِرَ الْأُمُورَ الْمُرَتَّبَةَ وَيَتَكَلَّمَ بِهَا وَيُمَيِّزَ بَيْنَ مَا يَنْفَعُهُ وَيَضُرُّهُ. وَكَمَا أَنَّ الضَّرِيرَ إذَا أَبْصَرَ وَجَدَ أَنَّ الرَّاحَةَ وَالْعَافِيَةَ وَالسُّرُورَ أَمْرًا