للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَلَيْسَ صَلَاحُ الْإِنْسَانِ فِي مُجَرَّدِ أَنْ يَعْلَمَ الْحَقَّ دُونَ أَلَّا يُحِبَّهُ وَيُرِيدَهُ وَيَتَّبِعَهُ كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ سَعَادَتُهُ فِي أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِاَللَّهِ مُقِرًّا بِمَا يَسْتَحِقُّهُ دُونَ أَنْ يَكُونَ مُحِبًّا لِلَّهِ عَابِدًا لِلَّهِ مُطِيعًا لِلَّهِ بَلْ أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَالِمٌ لَمْ يَنْفَعْهُ اللَّهُ بِعِلْمِهِ؛ فَإِذَا عَلِمَ الْإِنْسَانُ الْحَقَّ وَأَبْغَضَهُ وَعَادَاهُ كَانَ مُسْتَحِقًّا مِنْ غَضَبِ اللَّهِ وَعِقَابِهِ مَا لَا يَسْتَحِقُّهُ مَنْ لَيْسَ كَذَلِكَ؛ كَمَا أَنَّ مَنْ كَانَ قَاصِدًا لِلْحَقِّ طَالِبًا لَهُ - وَهُوَ جَاهِلٌ بِالْمَطْلُوبِ وَطَرِيقِهِ - كَانَ فِيهِ مِنْ الضَّلَالِ وَكَانَ مُسْتَحِقًّا مِنْ اللَّعْنَةِ - الَّتِي هِيَ الْبُعْدُ عَنْ رَحْمَةِ اللَّهِ - مَا لَا يَسْتَحِقُّهُ مَنْ لَيْسَ مِثْلُهُ؛ وَلِهَذَا أَمَرَنَا اللَّهُ أَنْ نَقُولَ: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} . وَ " الْمَغْضُوبُ عَلَيْهِمْ " عَلِمُوا الْحَقَّ فَلَمْ يُحِبُّوهُ وَلَمْ يَتَّبِعُوهُ وَ " الضَّالُّونَ " قَصَدُوا الْحَقَّ لَكِنْ بِجَهْلِ وَضَلَالٍ بِهِ وَبِطَرِيقِهِ فَهَذَا بِمَنْزِلَةِ الْعَالِمِ الْفَاجِرِ، وَهَذَا بِمَنْزِلَةِ الْعَابِدِ الْجَاهِلِ وَهَذَا حَالُ الْيَهُودِ فَإِنَّهُ مَغْضُوبٌ عَلَيْهِمْ، وَهَذَا حَالُ النَّصَارَى فَإِنَّهُمْ ضَالُّونَ. كَمَا ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: {الْيَهُودُ مَغْضُوبٌ عَلَيْهِمْ، وَالنَّصَارَى ضَالُّونَ} .

وَ " الْمُتَفَلْسِفَةُ " أَسْوَأُ حَالًا مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى فَإِنَّهُمْ جَمَعُوا بَيْنَ جَهْلِ هَؤُلَاءِ وَضَلَالِهِمْ وَبَيْنَ فُجُورِ هَؤُلَاءِ وَظُلْمِهِمْ فَصَارَ فِيهِمْ مِنْ الْجَهْلِ وَالظُّلْمِ مَا لَيْسَ فِي الْيَهُودِ وَلَا النَّصَارَى حَيْثُ جَعَلُوا السَّعَادَةَ فِي مُجَرَّدِ أَنْ يَعْلَمُوا الْحَقَائِقَ حَتَّى يَصِيرَ الْإِنْسَانُ عَالَمًا مَعْقُولًا مُطَابِقًا لِلْعَالَمِ الْمَوْجُودِ ثُمَّ لَمْ يَنَالُوا مِنْ مَعْرِفَةِ اللَّهِ