للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَلَا يَدْعُو غَيْرَهُ وَلَا يَسْأَلُ غَيْرَهُ وَلَا يَتَوَكَّلُ عَلَى غَيْرِهِ لَا فِي شَفَاعَةٍ وَلَا غَيْرِهَا؛ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَوَكَّلَ عَلَى أَحَدٍ فِي أَنْ يَرْزُقَهُ وَإِنْ كَانَ اللَّهُ يَأْتِيهِ بِرِزْقِهِ بِأَسْبَابِ. كَذَلِكَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَوَكَّلَ عَلَى غَيْرِ اللَّهِ فِي أَنْ يَغْفِرَ لَهُ وَيَرْحَمَهُ فِي الْآخِرَةِ وَإِنْ كَانَ اللَّهُ يَغْفِرُ لَهُ وَيَرْحَمُهُ بِأَسْبَابِ مِنْ شَفَاعَةٍ وَغَيْرِهَا فَالشَّفَاعَةُ الَّتِي نَفَاهَا الْقُرْآنُ مُطْلَقًا؛ مَا كَانَ فِيهَا شِرْكٌ وَتِلْكَ مُنْتَفِيَةٌ مُطْلَقًا؛ وَلِهَذَا أَثْبَتَ الشَّفَاعَةَ بِإِذْنِهِ فِي مَوَاضِعَ وَتِلْكَ قَدْ بَيَّنَ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا لَا تَكُونُ إلَّا لِأَهْلِ التَّوْحِيدِ وَالْإِخْلَاصِ فَهِيَ مِنْ التَّوْحِيدِ، وَمُسْتَحِقُّهَا أَهْلُ التَّوْحِيدِ.

وَأَمَّا " الظُّلْمُ الْمُقَيَّدُ " فَقَدْ يَخْتَصُّ بِظُلْمِ الْإِنْسَانِ نَفْسَهُ وَظُلْمِ النَّاسِ بَعْضَهُمْ بَعْضًا كَقَوْلِ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَحَوَّاءَ: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا} . وَقَوْلِ مُوسَى: {رَبِّ إنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي} . وقَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ إذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ} . لَكِنَّ قَوْلَ آدَمَ وَمُوسَى إخْبَارٌ عَنْ وَاقِعٍ لَا عُمُومَ فِيهِ وَذَلِكَ قَدْ عُرِفَ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ أَنَّهُ لَيْسَ كُفْرًا. وَأَمَّا قَوْلُهُ: {وَالَّذِينَ إذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} فَهُوَ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ الشَّرْطِ يَعُمُّ كُلَّ مَا فِيهِ ظُلْمُ الْإِنْسَانِ نَفْسَهُ؛ وَهُوَ إذَا أَشْرَكَ ثُمَّ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ ظُلْمَ الْإِنْسَانِ لِنَفْسِهِ يَدْخُلُ فِيهِ كُلُّ ذَنْبٍ كَبِيرٍ أَوْ صَغِيرٍ مَعَ الْإِطْلَاقِ وَقَالَ تَعَالَى {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ} . فَهَذَا ظُلْمٌ لِنَفْسِهِ مَقْرُونٌ بِغَيْرِهِ؛ فَلَا يَدْخُلُ فِيهِ الشِّرْكُ الْأَكْبَرُ. وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ " {عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ لَمَّا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} شَقَّ ذَلِكَ عَلَى أَصْحَابِ النَّبِيِّ