للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَهُوَ الَّذِي ظَلَمَ نَفْسَهُ؛ كَمَا أَنَّهُ هُوَ الَّذِي صَلَّى وَصَامَ وَحَجَّ وَجَاهَدَ، فَهُوَ الْمَوْصُوفُ بِهَذِهِ الْأَفْعَالِ؛ وَهُوَ الْمُتَحَرِّكُ بِهَذِهِ الْحَرَكَاتِ، وَهُوَ الْكَاسِبُ بِهَذِهِ الْمُحْدَثَاتِ، لَهُ مَا كَسَبَ وَعَلَيْهِ مَا اكْتَسَبَ، وَاَللَّهُ خَالِقُ ذَلِكَ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَشْيَاءِ لِمَا لَهُ فِي ذَلِكَ مِنْ الْحِكْمَةِ الْبَالِغَةِ بِقُدْرَتِهِ التَّامَّةِ وَمَشِيئَتِهِ النَّافِذَةِ. قَالَ تَعَالَى: {فَاصْبِرْ إنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} . فَعَلَى الْعَبْدِ أَنْ يَصْبِرَ عَلَى الْمَصَائِبِ، وَأَنْ يَسْتَغْفِرَ مِنْ المعائب. وَاَللَّهُ تَعَالَى لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ، وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ؛ وَلَا يُحِبُّ الْفَسَادَ، وَهُوَ سُبْحَانَهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ؛ وَرَبُّهُ وَمَلِيكُهُ، مَا شَاءَ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ. فَمَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ؛ وَمُشِيئَةُ الْعَبْدِ لِلْخَيْرِ وَالشَّرِّ مَوْجُودَةٌ، فَإِنَّ الْعَبْدَ لَهُ مَشِيئَةٌ لِلْخَيْرِ وَالشَّرِّ، وَلَهُ قُدْرَةٌ عَلَى هَذَا وَهَذَا. وَهُوَ الْعَامِلُ لِهَذَا وَهَذَا، وَاَللَّهُ خَالِقُ ذَلِكَ كُلِّهِ وَرَبُّهُ وَمَلِيكُهُ؛ لَا خَالِقَ غَيْرُهُ؛ وَلَا رَبَّ سِوَاهُ؛ مَا شَاءَ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ. وَقَدْ أَثْبَتَ اللَّهُ " الْمَشِيئَتَيْنِ " مَشِيئَةَ الرَّبِّ؛ وَمَشِيئَةَ الْعَبْدِ؛ وَبَيَّنَ أَنَّ مَشِيئَةَ الْعَبْدِ تَابِعَةٌ لِمَشِيئَةِ الرَّبِّ فِي قَوْله تَعَالَى {إنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إلَى رَبِّهِ سَبِيلًا وَمَا تَشَاءُونَ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} وَقَالَ تَعَالَى: {إنْ هُوَ إلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ} {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ} {وَمَا تَشَاءُونَ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا