للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ارْتَفَعُوا عَنْ دَرَجَةِ الْإِيمَانِ - كَمَا يَتَوَهَّمُهُ طَائِفَةٌ مِنْ الْمُتَكَلِّمَةِ - بَلْ مَعَهُمْ الْعِلْمُ وَالْإِيمَانُ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ} وَقَالَ تَعَالَى: {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ} الْآيَةَ. وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُ: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} نَظِيرُ هَذِهِ الْآيَةِ فَإِنَّهُ أَخْبَرَ هُنَا أَنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَخْبَرَ هُنَاكَ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ فِي الْمُتَشَابِهِ: {آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} وَكِلَا الْمَوْضِعَيْنِ مَوْضِعُ رَيْبٍ وَشُبْهَةٍ لِغَيْرِهِمْ؛ فَإِنَّ الْكَلَامَ هُنَاكَ فِي الْمُتَشَابِهِ وَهُنَا فِيمَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ مِمَّا يَنْسَخُهُ اللَّهُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَجَعَلَ الْمُحْكَمَ هُنَا ضِدَّ الَّذِي نَسَخَهُ اللَّهُ مِمَّا أَلْقَاهُ الشَّيْطَانُ؛ وَلِهَذَا قَالَ طَائِفَةٌ مِنْ الْمُفَسِّرِينَ الْمُتَقَدِّمِينَ: إنَّ " الْمُحْكَمَ " هُوَ النَّاسِخُ و " الْمُتَشَابِهَ " الْمَنْسُوخُ. أَرَادُوا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلَهُ: {فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ} . وَالنَّسْخُ هُنَا رَفْعُ مَا أَلْقَاهُ الشَّيْطَانُ لَا رَفْعُ مَا شَرَعَهُ اللَّهُ. وَقَدْ أَشَرْت إلَى وَجْهِ ذَلِكَ فِيمَا بَعْدُ وَهُوَ: أَنَّ اللَّهَ جَعَلَ الْمُحْكَمَ مُقَابِلَ الْمُتَشَابِهِ تَارَةً وَمُقَابِلَ الْمَنْسُوخِ أُخْرَى. وَالْمَنْسُوخُ يَدْخُلُ فِيهِ فِي اصْطِلَاحِ السَّلَفِ - الْعَامِّ - كُلُّ ظَاهِرٍ تُرِكَ ظَاهِرُهُ لِمُعَارِضِ رَاجِحٍ كَتَخْصِيصِ الْعَامِّ وَتَقْيِيدِ الْمُطْلَقِ فَإِنَّ هَذَا مُتَشَابِهٌ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ