للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَالْمَشْهُورُ عِنْدَ مُتَكَلِّمَةِ أَهْلِ الْإِثْبَاتِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ مِنْ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ يَأْمُرُ بِمَا لَا يُرِيدُهُ وَقَالَتْ الْقَدَرِيَّةُ وَالْمُعْتَزِلَةُ وَغَيْرُهُمْ: إنَّهُ لَا يَأْمُرُ إلَّا بِمَا يُرِيدُهُ. وَالتَّحْقِيقُ: أَنَّ الْإِرَادَةَ فِي كِتَابِ اللَّهِ نَوْعَانِ: إرَادَةٌ دِينِيَّةٌ شَرْعِيَّةٌ وَإِرَادَةٌ كَوْنِيَّةٌ قَدَرِيَّةٌ: فَالْأَوَّلُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} وقَوْله تَعَالَى {وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ} وقَوْله تَعَالَى {يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} إلَى قَوْلِهِ: {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ} فَإِنَّ الْإِرَادَةَ هُنَا بِمَعْنَى الْمَحَبَّةِ وَالرِّضَى وَهِيَ الْإِرَادَةُ الدِّينِيَّةُ. وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إلَّا لِيَعْبُدُونِ} . وَأَمَّا الْإِرَادَةُ الْكَوْنِيَّةُ الْقَدَرِيَّةُ فَمِثْلُ قَوْله تَعَالَى {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} وَمِثْلُ قَوْلِ الْمُسْلِمِينَ: مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ. فَجَمِيعُ الْكَائِنَاتِ دَاخِلَةٌ فِي هَذِهِ الْإِرَادَةِ وَالْمَشِيئَةِ لَا يَخْرُجُ عَنْهَا خَيْرٌ وَلَا شَرٌّ وَلَا عُرْفٌ وَلَا نُكْرٌ وَهَذِهِ الْإِرَادَةُ وَالْمَشِيئَةُ تَتَنَاوَلُ مَا لَا يَتَنَاوَلُهُ الْأَمْرُ الشَّرْعِيُّ وَأَمَّا الْإِرَادَةُ الدِّينِيَّةُ فَهِيَ مُطَابِقَةٌ لِلْأَمْرِ الشَّرْعِيِّ لَا يَخْتَلِفَانِ وَهَذَا التَّقْسِيمُ الْوَارِدُ فِي اسْمِ الْإِرَادَةِ يُرَدُّ مِثْلُهُ فِي اسْمِ الْأَمْرِ وَالْكَلِمَاتِ؛ وَالْحُكْمِ