إنَّهُ كَانَ يَقُولُ الْيَوْمَ أُسَافِرُ غَدًا أُسَافِرُ. بَلْ فَتَحَ مَكَّةَ وَأَهْلُهَا وَمَا حَوْلَهَا كُفَّارٌ مُحَارِبُونَ لَهُ وَهِيَ أَعْظَمُ مَدِينَةٍ فَتَحَهَا وَبِفَتْحِهَا ذَلَّتْ الْأَعْدَاءُ وَأَسْلَمَتْ الْعَرَبُ. وَسَرَى السَّرَايَا إلَى النَّوَاحِي يَنْتَظِرُ قُدُومَهُمْ وَمِثْلُ هَذِهِ الْأُمُورِ مِمَّا يُعْلَمُ أَنَّهَا لَا تَنْقَضِي فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ فَعُلِمَ أَنَّهُ أَقَامَ لِأُمُورٍ يَعْلَمُ أَنَّهَا لَا تَنْقَضِي فِي أَرْبَعَةٍ وَكَذَلِكَ فِي تَبُوكَ. وَأَيْضًا فَمَنْ جَعَلَ لِلْمُقَامِ حَدًّا مِنْ الْأَيَّامِ: إمَّا ثَلَاثَةً وَإِمَّا أَرْبَعَةً وَإِمَّا عَشَرَةً وَإِمَّا اثْنَيْ عَشَرَ وَإِمَّا خَمْسَةَ عَشَرَ فَإِنَّهُ قَالَ قَوْلًا لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ وَهِيَ تَقْدِيرَاتٌ مُتَقَابِلَةٌ. فَقَدْ تَضَمَّنَتْ هَذِهِ الْأَقْوَالُ تَقْسِيمَ النَّاسِ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: إلَى مُسَافِرٍ وَإِلَى مُقِيمٍ مُسْتَوْطِنٍ وَهُوَ الَّذِي يَنْوِي الْمُقَامَ فِي الْمَكَانِ وَهَذَا هُوَ الَّذِي تَنْعَقِدُ بِهِ الْجُمُعَةُ وَتَجِبُ عَلَيْهِ وَهَذَا يَجِبُ عَلَيْهِ إتْمَامُ الصَّلَاةِ بِلَا نِزَاعٍ فَإِنَّهُ الْمُقِيمُ الْمُقَابِلُ لِلْمُسَافِرِ وَالثَّالِثُ مُقِيمٌ غَيْرُ مُسْتَوْطِنٍ أَوْجَبُوا عَلَيْهِ إتْمَامَ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَأَوْجَبُوا عَلَيْهِ الْجُمُعَةَ وَقَالُوا: لَا تَنْعَقِدُ بِهِ الْجُمُعَةُ وَقَالُوا: إنَّمَا تَنْعَقِدُ الْجُمُعَةُ بِمُسْتَوْطِنِ. وَهَذَا التَّقْسِيمُ - وَهُوَ تَقْسِيمُ الْمُقِيمِ إلَى مُسْتَوْطِنٍ وَغَيْرِ مُسْتَوْطِنٍ - تَقْسِيمٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ وَلَا دَلِيلَ عَلَى أَنَّهَا تَجِبُ عَلَى مَنْ لَا تَنْعَقِدُ بِهِ؛ بَلْ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ انْعَقَدَتْ بِهِ وَهَذَا إنَّمَا قَالُوهُ لَمَّا أَثْبَتُوا مُقِيمًا يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِتْمَامُ وَالصِّيَامُ وَوَجَدُوهُ غَيْرَ مُسْتَوْطِنٍ فَلَمْ يُمْكِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute