فَصْلٌ:
قَدْ نَصَّ أَحْمَد عَلَى أَبْلَغَ مِنْ ذَلِكَ - وَهُوَ وَقْفُ مَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ إلَّا مَعَ إبْدَالِ عَيْنِهِ - فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ فِي " الشَّافِي ": نَقَلَ الميموني عَنْ أَحْمَد: أَنَّ الدَّرَاهِمَ إذَا كَانَتْ مَوْقُوفَةً عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ فَفِيهَا الصَّدَقَةُ وَإِذَا كَانَتْ عَلَى الْمَسَاكِينِ فَلَيْسَ فِيهَا صَدَقَةٌ. قُلْت: رَجُلٌ وَقَفَ أَلْفَ دِرْهَمٍ فِي السَّبِيلِ؟ قَالَ: إنْ كَانَتْ لِلْمَسَاكِينِ فَلَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ. قُلْت: فَإِنْ وَقَفَهَا فِي الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ؟ قَالَ: هَذِهِ مَسْأَلَةُ لَبْسٍ وَاشْتِبَاهٍ. قَالَ أَبُو الْبَرَكَاتِ: وَظَاهِرُ هَذَا جَوَازُ وَقْفِ الْأَثْمَانِ لِغَرَضِ الْقَرْضِ أَوْ التَّنْمِيَةِ وَالتَّصَدُّقِ بِالرِّبْحِ كَمَا قَدْ حَكَيْنَا عَنْ مَالِكٍ وَالْأَنْصَارِيِّ. قَالَ: وَمَذْهَبُ مَالِكٍ صِحَّةُ وَقْفِ الْأَثْمَانِ لِلْقَرْضِ. ذَكَرَهُ صَاحِبُ " التَّهْذِيبِ " وَغَيْرُهُ فِي الزَّكَاةِ وَأَوْجَبُوا فِيهَا الزَّكَاةَ كَقَوْلِهِمْ فِي الْمَاشِيَةِ الْمَوْقُوفَةِ عَلَى الْفُقَرَاءِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ: يَجُوزُ وَقْفُ الدَّنَانِيرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنْتَفَعُ بِهَا إلَّا بِاسْتِهْلَاكِ عَيْنِهَا وَتُدْفَعُ مُضَارَبَةً وَيُصْرَفُ رِبْحُهَا فِي مَصْرِفِ الْوَقْفِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْقَرْضَ وَالْقِرَاضَ يَذْهَبُ عَيْنُهُ وَيَقُومُ بَدَلُهُ مَقَامَهُ وَجَعَلَ الْمُبْدَلَ بِهِ قَائِمًا مَقَامَهُ لِمَصْلَحَةِ الْوَقْفِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الْحَاجَةُ ضَرُورَةَ الْوَقْفِ لِذَلِكَ. وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِيهَا نِزَاعٌ فِي مَذْهَبِهِ فَكَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ مَنَعُوا وَقْفَ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ؛ لِمَا ذَكَرَهُ الخرقي وَمَنْ اتَّبَعَهُ وَلَمْ يَذْكُرُوا عَنْ أَحْمَد نَصًّا بِذَلِكَ وَلَمْ يَنْقُلْهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ إلَّا عَنْ الخرقي وَغَيْرِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute