للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بِقِبْلَةِ أُخْرَى وَلَا شَهْرِ رَمَضَانَ بِشَهْرِ آخَرَ وَلَا وَقْتِ الْحَجِّ وَمَكَانِهِ بِوَقْتِ آخَرَ وَمَكَانٍ آخَرَ؛ بَلْ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ لَمَّا ابْتَدَعُوا النَّسِيءَ الَّذِي يَتَضَمَّنُ إبْدَالَ وَقْتِ الْحَجِّ بِوَقْتِ آخَرَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ} وَالْمَسَاجِدُ الثَّلَاثَةُ الَّتِي بَنَتْهَا الْأَنْبِيَاءُ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - وَشَرَعَ لِلنَّاسِ السَّفَرُ إلَيْهَا وَوَجَبَ السَّفَرُ إلَيْهَا بِالنَّذْرِ: لَا يَجُوزُ إبْدَالُ عَرْصَتِهَا بِغَيْرِهَا؛ بَلْ يَجُوزُ الزِّيَادَةُ فِيهَا وَإِبْدَالُ التَّأْلِيفِ وَالْبِنَاءِ بِغَيْرِهِ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ السُّنَّةُ وَإِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ؛ بِخِلَافِ غَيْرِهَا فَإِنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ لِلنَّذْرِ؛ وَلَا يُسَافِرُ إلَيْهِ: فَيَجُوزُ إبْدَالُهُ لِلْمَصْلَحَةِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّ الْوَقْفَ عَلَى مُعَيَّنٍ قَدْ تَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ هَلْ هُوَ مِلْكٌ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ؟ أَوْ هُوَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ الْوَاقِفِ؟ أَوْ هُوَ مَلِكٌ لِلَّهِ تَعَالَى؟ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ مَعْرُوفَةٍ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد وَغَيْرِهِمَا وَأَكْثَرِ أَصْحَابِ أَحْمَد يَخْتَارُونَ أَنَّهُ مِلْكٌ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ كَالْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ. وَأَمَّا الْمَسْجِدُ وَنَحْوُهُ فَلَيْسَ مِلْكًا لِمُعَيَّنِ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ؛ وَإِنَّمَا يُقَالُ: هُوَ مِلْكٌ لِلَّهِ. وَقَدْ يُقَالُ: هُوَ مِلْكٌ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ. لِأَنَّهُمْ الْمُسْتَحِقُّونَ لِلِانْتِفَاعِ بِهِ فَإِذَا جَازَ إبْدَالُ هَذَا بِخَيْرِ مِنْهُ لِلْمَصْلَحَةِ فَالْأَوَّلُ أَوْلَى؛ إمَّا بِأَنْ يُعَوِّضَ عَنْهَا بِالْبَدَلِ؛ وَإِمَّا أَنْ تُبَاعَ وَيُشْتَرَى بِثَمَنِهَا الْبَدَلُ. وَالْإِبْدَالُ كَمَا تَقَدَّمَ يُبَدِّلُ بِجِنْسِهِ بِمَا هُوَ أَنْفَع لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ.