للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَيَقُولُونَ: إنَّ قَوْلَهُ: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إلَّا اللَّهُ} يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَعْنَى الْمُتَشَابِهِ لَا يَعْلَمُهُ إلَّا اللَّهُ وَالْحَدِيثُ مِنْهُ مُتَشَابِهٌ - كَمَا فِي الْقُرْآنِ - وَهَذَا مِنْ مُتَشَابِهِ الْحَدِيثِ؛ فَيَلْزَمُهُمْ أَنْ يَكُونَ الرَّسُولُ الَّذِي تَكَلَّمَ بِحَدِيثِ النُّزُولِ لَمْ يَدْرِ هُوَ مَا يَقُولُ وَلَا مَا عُنِيَ بِكَلَامِهِ - وَهُوَ الْمُتَكَلِّمُ بِهِ ابْتِدَاءً. فَهَلْ يَجُوزُ لِعَاقِلِ أَنْ يَظُنَّ هَذَا بِأَحَدِ مِنْ عُقَلَاءِ بَنِي آدَمَ فَضْلًا عَنْ الْأَنْبِيَاءِ فَضْلًا عَنْ أَفْضَلِ الْأَوَّلِينَ والآخرين وَأَعْلَمِ الْخَلْقِ وَأَفْصَحِ الْخَلْقِ وَأَنْصَحِ الْخَلْقِ لِلْخَلْقِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمْ مَعَ ذَلِكَ يَدَّعُونَ أَنَّهُمْ أَهْلُ السُّنَّةِ وَأَنَّ هَذَا الْقَوْلَ الَّذِي يَصِفُونَ بِهِ الرَّسُولَ وَأُمَّتَهُ هُوَ قَوْلُ أَهْلِ السُّنَّةِ. وَلَا رَيْبَ أَنَّهُمْ لَمْ يَتَصَوَّرُوا حَقِيقَةَ مَا قَالُوهُ وَلَوَازِمَهُ. وَلَوْ تَصَوَّرُوا ذَلِكَ لَعَلِمُوا أَنَّهُ يَلْزَمُهُمْ مَا هُوَ مِنْ أَقْبَحِ أَقْوَالِ الْكُفَّارِ فِي الْأَنْبِيَاءِ وَهُمْ لَا يَرْتَضُونَ مَقَالَةَ مَنْ يَنْتَقِصُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَوْ تَنَقَّصَهُ أَحَدٌ لَاسْتَحَلُّوا قَتْلَهُ وَهُمْ مُصِيبُونَ فِي اسْتِحْلَالِ قَتْلِ مَنْ يَقْدَحُ فِي الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ السَّلَامُ وَقَوْلُهُمْ يَتَضَمَّنُ أَعْظَمَ الْقَدْحِ؛ لَكِنْ لَمْ يَعْرِفُوا ذَلِكَ. وَلَازِمُ الْقَوْلِ لَيْسَ بِقَوْلِ فَإِنَّهُمْ لَوْ عَرَفُوا أَنَّ هَذَا يَلْزَمُهُمْ مَا الْتَزَمُوهُ. " وَقِسْمٌ ثَانٍ " مِنْ الْمُمَثِّلِينَ لِلَّهِ بِخَلْقِهِ لَمَّا رَأَوْا أَنَّ قَوْلَ هَؤُلَاءِ مُنْكَرٌ وَأَنَّ قَوْلَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَقٌّ قَالُوا مِثْلَ تِلْكَ الْجَهَالَاتِ: مِنْ أَنَّهُ تَصِيرُ فَوْقَهُ سَمَاءٌ وَتَحْتَهُ سَمَاءٌ أَوْ أَنَّ السَّمَوَاتِ تَرْتَفِعُ ثُمَّ تَعُودُ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا يَظْهَرُ بُطْلَانُهُ لِمَنْ لَهُ أَدْنَى عَقْلٍ وَلُبٍّ.