وَأَشْكَلَتْ الْمَسْأَلَةُ عَلَى الطَّائِفَتَيْنِ وَحَارُوا فِيهَا. وَأَمَّا مَنْ قَالَ: خَلْقُ الرَّبِّ تَعَالَى لِمَخْلُوقَاتِهِ لَيْسَ هُوَ نَفْسَ مَخْلُوقَاتِهِ قَالَ: إنَّ أَفْعَالَ الْعِبَادِ مَخْلُوقَةٌ كَسَائِرِ الْمَخْلُوقَاتِ وَمَفْعُولَةٌ لِلرَّبِّ كَسَائِرِ الْمَفْعُولَاتِ وَلَمْ يَقُلْ: إنَّهَا نَفْسُ فِعْلِ الرَّبِّ وَخَلْقِهِ بَلْ قَالَ إنَّهَا نَفْسُ فِعْلِ الْعَبْدِ وَعَلَى هَذَا تَزُولُ الشُّبْهَةُ؛ فَإِنَّهُ يُقَالُ الْكَذِبُ وَالظُّلْمُ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ الْقَبَائِحِ يَتَّصِفُ بِهَا مَنْ كَانَتْ فِعْلًا لَهُ كَمَا يَفْعَلُهَا الْعَبْدُ وَتَقُومُ بِهِ وَلَا يَتَّصِفُ بِهَا مَنْ كَانَتْ مَخْلُوقَةً لَهُ إذَا كَانَ قَدْ جَعَلَهَا صِفَةً لِغَيْرِهِ كَمَا أَنَّهُ سُبْحَانَهُ لَا يَتَّصِفُ بِمَا خَلَقَهُ فِي غَيْرِهِ مِنْ الطُّعُومِ وَالْأَلْوَانِ وَالرَّوَائِحِ وَالْأَشْكَالِ وَالْمَقَادِيرِ وَالْحَرَكَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ؛ فَإِذَا كَانَ قَدْ خَلَقَ لَوْنَ الْإِنْسَانِ لَمْ يَكُنْ هُوَ الْمُتَلَوِّنَ بِهِ وَإِذَا خَلَقَ رَائِحَةً مُنْتِنَةً أَوْ طَعْمًا مُرًّا أَوْ صُورَةً قَبِيحَةً وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مَكْرُوهٌ مَذْمُومٌ مُسْتَقْبَحٌ لَمْ يَكُنْ هُوَ مُتَّصِفًا بِهَذِهِ الْمَخْلُوقَاتِ الْقَبِيحَةِ الْمَذْمُومَةِ الْمَكْرُوهَةِ وَالْأَفْعَالِ الْقَبِيحَةِ. وَمَعْنَى قُبْحِهَا كَوْنُهَا ضَارَّةً لِفَاعِلِهَا وَسَبَبًا لِذَمِّهِ وَعِقَابِهِ وَجَالِبَةً لِأَلَمِهِ وَعَذَابِهِ. وَهَذَا أَمْرٌ يَعُودُ عَلَى الْفَاعِلِ الَّذِي قَامَتْ بِهِ؛ لَا عَلَى الْخَالِقِ الَّذِي خَلَقَهَا فِعْلًا لِغَيْرِهِ. ثُمَّ عَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَهُ حِكْمَةٌ فِيمَا خَلَقَهُ فِي الْعَالَمِ مِمَّا هُوَ مُسْتَقْبَحٌ وَضَارٌّ وَمُؤْذٍ يَقُولُونَ: لَهُ فِيمَا خَلَقَهُ مِنْ هَذِهِ الْأَفْعَالِ الْقَبِيحَةِ الضَّارَّةِ لِفَاعِلِهَا حِكْمَةٌ عَظِيمَةٌ؛ كَمَا لَهُ حِكْمَةٌ عَظِيمَةٌ فِيمَا خَلَقَهُ مِنْ الْأَمْرَاضِ وَالْغُمُومِ. وَمَنْ يَقُولُ: لَا تُعَلَّلُ أَفْعَالُهُ لَا يُعَلَّلُ لَا هَذَا وَلَا هَذَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute