وَلَكِنْ لِقَوْلِهِمْ سِرٌّ خَفِيٌّ وَحَقِيقَةٌ بَاطِنَةٌ لَا يَعْرِفُهَا إلَّا خَوَاصُّ الْخَلْقِ. وَهَذَا السِّرُّ هُوَ أَشَدُّ كُفْرًا وَإِلْحَادًا مِنْ ظَاهِرِهِ؛ فَإِنَّ مَذْهَبَهُمْ فِيهِ دِقَّةٌ وَغُمُوضٌ وَخَفَاءٌ قَدْ لَا يَفْهَمُهُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ. وَلِهَذَا تَجِدُ كَثِيرًا مِنْ عَوَامِّ أَهْلِ الدِّينِ وَالْخَيْرِ وَالْعِبَادَةِ يُنْشِدُ قَصِيدَةَ ابْنِ الْفَارِضِ وَيَتَوَاجَدُ عَلَيْهَا وَيُعَظِّمُهَا ظَانًّا أَنَّهَا مِنْ كَلَامِ أَهْلِ التَّوْحِيدِ وَالْمَعْرِفَةِ وَهُوَ لَا يَفْهَمُهَا وَلَا يَفْهَمُ مُرَادَ قَائِلِهَا؛ وَكَذَلِكَ كَلَامُ هَؤُلَاءِ يَسْمَعُهُ طَوَائِفُ مِنْ الْمَشْهُورِينَ بِالْعِلْمِ وَالدِّينِ فَلَا يَفْهَمُونَ حَقِيقَتَهُ فَإِمَّا أَنْ يَتَوَقَّفُوا عَنْهُ أَوْ يُعَبِّرُوا عَنْ مَذْهَبِهِمْ بِعِبَارَةِ مَنْ لَمْ يَفْهَمْ حَقِيقَةً؛ وَإِمَّا أَنْ يُنْكِرُوهُ إنْكَارًا مُجْمَلًا مِنْ غَيْرِ مَعْرِفَةٍ بِحَقِيقَتِهِ وَنَحْوُ ذَلِكَ وَهَذَا حَالُ أَكْثَرِ الْخَلْقِ مَعَهُمْ. وَأَئِمَّتُهُمْ إذَا رَأَوْا مَنْ لَمْ يَفْهَمْ حَقِيقَةَ قَوْلِهِمْ طَمِعُوا فِيهِ وَقَالُوا: هَذَا مِنْ عُلَمَاءِ الرُّسُومِ وَأَهْلِ الظَّاهِرِ وَأَهْلِ الْقِشْرِ وَقَالُوا: عِلْمُنَا هَذَا لَا يُعْرَفُ إلَّا بِالْكَشْفِ وَالْمُشَاهَدَةِ وَهَذَا يَحْتَاجُ إلَى شُرُوطٍ وَقَالُوا: لَيْسَ هَذَا عُشُّك فَادْرُجْ عَنْهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا فِيهِ تَعْظِيمٌ لَهُ وَتَشْوِيقٌ إلَيْهِ وَتَجْهِيلٌ لِمَنْ لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ. وَإِنْ رَأَوْهُ عَارِفًا بِقَوْلِهِمْ نَسَبُوهُ إلَى أَنَّهُ مِنْهُمْ وَقَالُوا: هُوَ مِنْ كِبَارِ الْعَارِفِينَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute