وَكَانَ قَدْ كَثُرَ ظُهُورُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ هُمْ فُرُوعُ الْمُشْرِكِينَ وَمَنْ اتَّبَعَهُمْ مِنْ مُبَدِّلَةِ الصَّابِئِينَ ثُمَّ مُبَدِّلَةِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى فِي أَوَائِلِ الْمِائَةِ الثَّانِيَةِ وَأَوَائِلِ الثَّالِثَةِ فِي إمَارَةِ أَبِي الْعَبَّاسِ الْمُلَقَّبِ " بِالْمَأْمُونِ " بِسَبَبِ تَعْرِيبِ كُتُبِ الرُّومِ الْمُشْرِكِينَ الصَّابِئِينَ؛ الَّذِينَ كَانُوا قَبْلَ النَّصَارَى وَمَنْ أَشْبَهَهُمْ مِنْ فَارِسَ وَالْهِنْدِ وَظَهَرَتْ عُلُومُ الصَّابِئِينَ الْمُنَجِّمِينَ وَنَحْوِهِمْ. وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ أَهْلَ الْكَلَامِ الْمُبْتَدَعَ فِي الْإِسْلَامِ هُمْ مِنْ فُرُوعِ الصَّابِئِينَ كَمَا يُقَالُ: الْمُعْتَزِلَةُ مَخَانِيثُ الْفَلَاسِفَةِ. فَظَهَرَتْ هَذِهِ الْمَقَالَةُ فِي أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْكَلَامِ وَفِي أَهْلِ السَّيْفِ وَالْإِمَارَةِ وَصَارَ فِي أَهْلِهَا مِنْ الْخُلَفَاءِ وَالْأُمَرَاءِ وَالْوُزَرَاءِ وَالْقُضَاةِ وَالْفُقَهَاءِ مَا امْتَحَنُوا بِهِ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ الَّذِينَ اتَّبَعُوا مَا أُنْزِلَ إلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ وَلَمْ يُبَدِّلُوا وَلَمْ يَبْتَدِعُوا وَذَلِكَ لِقُصُورِ وَتَفْرِيطٍ مِنْ أَكْثَرِهِمْ فِي مَعْرِفَةِ حَقِيقَةِ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ وَاتِّبَاعِهِ وَإِلَّا فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ كَثِيرًا فِيهِمْ لَمْ يَتَمَكَّنْ أُولَئِكَ الْمُبْتَدِعَةُ لِمَا يُخَالِفُ دِينَ الْإِسْلَامِ مِنْ التَّمَكُّنِ مِنْهُمْ.
فَصْلٌ:
فَجَاءَ قَوْمٌ مِنْ مُتَكَلِّمِي الصفاتية الَّذِينَ نَصَرُوا أَنَّ اللَّهَ لَهُ عِلْمٌ وَقُدْرَةٌ وَبَصَرٌ وَحَيَاةٌ بِالْمَقَايِيسِ الْعَقْلِيَّةِ الْمُطَابِقَةِ لِلنُّصُوصِ النَّبَوِيَّةِ وَفَرَّقُوا بَيْنَ الصِّفَاتِ الْقَائِمَةِ بِالْجَوَاهِرِ فَجَعَلُوهَا أَعْرَاضًا وَبَيْنَ الصِّفَاتِ الْقَائِمَةِ بِالرَّبِّ فَلَمْ يُسَمُّوهَا أَعْرَاضًا؛ لِأَنَّ الْعَرَضَ مَا لَا يَدُومُ وَلَا يَبْقَى أَوْ مَا يَقُومُ بِمُتَحَيِّزِ أَوْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute