للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثُمَّ هُمْ هَهُنَا فَرِيقَانِ: أَكْثَرُهُمْ يَقُولُونَ: مَا لَمْ تُثْبِتْهُ عُقُولُكُمْ فَانْفُوهُ - وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: بَلْ تَوَقَّفُوا فِيهِ - وَمَا نَفَاهُ قِيَاسُ عُقُولِكُمْ - الَّذِي أَنْتُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ وَمُضْطَرِبُونَ اخْتِلَافًا أَكْثَرَ مِنْ جَمِيعِ مَنْ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ - فَانْفُوهُ وَإِلَيْهِ عِنْدَ التَّنَازُعِ فَارْجِعُوا. فَإِنَّهُ الْحَقُّ الَّذِي تَعَبَّدْتُكُمْ بِهِ؛ وَمَا كَانَ مَذْكُورًا فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مِمَّا يُخَالِفُ قِيَاسَكُمْ هَذَا أَوْ يُثْبِتُ مَا لَمْ تُدْرِكْهُ عُقُولُكُمْ - عَلَى طَرِيقَةِ أَكْثَرِهِمْ - فَاعْلَمُوا أَنِّي أَمْتَحِنُكُمْ بِتَنْزِيلِهِ لَا لِتَأْخُذُوا الْهُدَى مِنْهُ؛ لَكِنْ لِتَجْتَهِدُوا فِي تَخْرِيجِهِ عَلَى شَوَاذِّ اللُّغَةِ وَوَحْشِيِّ الْأَلْفَاظِ وَغَرَائِبِ الْكَلَامِ. أَوْ أَنْ تَسْكُتُوا عَنْهُ مُفَوِّضِينَ عِلْمَهُ إلَى اللَّهِ مَعَ نَفْيِ دَلَالَتِهِ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الصِّفَاتِ؛ هَذَا حَقِيقَةُ الْأَمْرِ عَلَى رَأْيِ هَؤُلَاءِ الْمُتَكَلِّمِينَ. وَهَذَا الْكَلَامُ قَدْ رَأَيْته صَرَّحَ بِمَعْنَاهُ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ وَهُوَ لَازِمٌ لِجَمَاعَتِهِمْ لُزُومًا لَا مَحِيدَ عَنْهُ وَمَضْمُونُهُ: أَنَّ كِتَابَ اللَّهِ لَا يَهْتَدِي بِهِ فِي مَعْرِفَةِ اللَّهِ وَأَنَّ الرَّسُولَ مَعْزُولٌ عَنْ التَّعْلِيمِ وَالْإِخْبَارِ بِصِفَاتِ مَنْ أَرْسَلَهُ وَأَنَّ النَّاسَ عِنْدَ التَّنَازُعِ لَا يَرُدُّونَ مَا تَنَازَعُوا فِيهِ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ؛ بَلْ إلَى مِثْلِ مَا كَانُوا عَلَيْهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَإِلَى مِثْلِ مَا يَتَحَاكَمُ إلَيْهِ مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِالْأَنْبِيَاءِ كالبراهمة وَالْفَلَاسِفَةِ - وَهُمْ الْمُشْرِكُونَ - وَالْمَجُوسُ وَبَعْضُ الصَّابِئِينَ. وَإِنْ كَانَ هَذَا الرَّدُّ لَا يَزِيدُ الْأَمْرَ إلَّا شِدَّةً؛ وَلَا يَرْتَفِعُ الْخِلَافُ بِهِ؛ إذْ لِكُلِّ فَرِيقٍ طَوَاغِيتُ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إلَيْهِمْ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِمْ. وَمَا أَشْبَهَ حَالُ هَؤُلَاءِ الْمُتَكَلِّمِينَ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَلَمْ تَرَ إلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ