للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا} فَخَاطَبَ الرِّجَالَ بِإِنْكَاحِ الْأَيَامَى كَمَا خَاطَبَهُمْ بِتَزْوِيجِ الرَّقِيقِ. وَفَرْقٌ بَيْنَ قَوْله تَعَالَى {وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ} وَقَوْلِهِ: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ} . وَهَذَا الْفَرْقُ مِمَّا احْتَجَّ بِهِ بَعْضُ السَّلَفِ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ. و " أَيْضًا " فَإِنَّ اللَّهَ أَوْجَبَ الصَّدَاقَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ وَلَمْ يُوجِبْ الْإِشْهَادَ. فَمَنْ قَالَ: إنَّ النِّكَاحَ يَصِحُّ مَعَ نَفْيِ الْمَهْرِ وَلَا يَصِحُّ إلَّا مَعَ الْإِشْهَادِ: فَقَدْ أَسْقَطَ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ وَأَوْجَبَ مَا لَمْ يُوجِبْهُ اللَّهُ. وَهَذَا مِمَّا يُبَيِّنُ أَنَّ قَوْلَ الْمَدَنِيِّينَ وَأَهْلِ الْحَدِيثِ أَصَحُّ مِنْ قَوْلِ الْكُوفِيِّينَ فِي تَحْرِيمِهِمْ " نِكَاحَ الشِّغَارِ " وَأَنَّ عِلَّةَ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ نَفْيُ الْمَهْرِ فَحَيْثُ يَكُونُ الْمَهْرُ: فَالنِّكَاحُ صَحِيحٌ كَمَا هُوَ قَوْلُ الْمَدَنِيِّينَ وَهُوَ أَنَصّ الرِّوَايَتَيْنِ وَأَصْرَحُهُمَا عَنْ أَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ وَاخْتِيَارُ قُدَمَاءِ أَصْحَابِهِ. وَهَذَا وَأَمْثَالُهُ مِمَّا يُبَيِّنُ رُجْحَانَ أَقْوَالِ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالْأَثَرِ وَأَهْلِ الْحِجَازِ - كَأَهْلِ الْمَدِينَةِ - عَلَى مَا خَالَفَهَا مِنْ الْأَقْوَالِ الَّتِي قِيلَتْ بِرَأْيٍ يُخَالِفُ النُّصُوصَ؛ لَكِنَّ الْفُقَهَاءَ الَّذِينَ قَالُوا بِرَأْيٍ يُخَالِفُ النُّصُوصَ بَعْدَ اجْتِهَادِهِمْ وَاسْتِفْرَاغِ وُسْعِهِمْ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قَدْ فَعَلُوا مَا قَدَرُوا عَلَيْهِ مِنْ طَلَبِ الْعِلْمِ وَاجْتَهَدُوا وَاَللَّهُ يُثِيبُهُمْ وَهُمْ مُطِيعُونَ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ فِي ذَلِكَ وَاَللَّهُ يُثِيبُهُمْ عَلَى اجْتِهَادِهِمْ: فَآجَرَهُمْ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ؛ وَإِنْ كَانَ الَّذِينَ عَلِمُوا مَا جَاءَتْ بِهِ النُّصُوصُ