وَكَانَ مِنْ أَسْبَابِ نُزُولِ الْآيَةِ احْتِجَاجُ النَّصَارَى بِمَا تَشَابَهَ عَلَيْهِمْ كَقَوْلِهِ: (إنَّا) و (نَحْنُ) وَهَذَا يَعْرِفُ الْعُلَمَاءُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْوَاحِدُ الْمُعَظَّمُ الَّذِي لَهُ أَعْوَانٌ؛ لَمْ يُرِدْ بِهِ أَنَّ الْآلِهَةَ ثَلَاثَةٌ فَتَأْوِيلُ هَذَا الَّذِي هُوَ تَفْسِيرُهُ يَعْلَمُهُ الرَّاسِخُونَ وَيُفَرِّقُونَ بَيْنَ مَا قِيلَ فِيهِ: إيَّايَ وَمَا قِيلَ فِيهِ إنَّا لِدُخُولِ الْمَلَائِكَةِ فِيمَا يُرْسِلُهُمْ فِيهِ؛ إذْ كَانُوا رُسُلَهُ وَأَمَّا كَوْنُهُ هُوَ الْمَعْبُودَ الْإِلَهَ فَهُوَ لَهُ وَحْدَهُ وَلِهَذَا لَا يَقُولُ: فَإِيَّانَا فَاعْبُدُوا وَلَا إيَّانَا فَارْهَبُوا بَلْ مَتَى جَاءَ الْأَمْرُ بِالْعِبَادَةِ وَالتَّقْوَى وَالْخَشْيَةِ وَالتَّوَكُّلِ ذَكَرَ نَفْسَهُ وَحْدَهُ بِاسْمِهِ الْخَاصِّ وَإِذَا ذَكَرَ الْأَفْعَالَ الَّتِي يُرْسِلُ فِيهَا الْمَلَائِكَةَ قَالَ: {إنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} {نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ} وَنَحْوَ ذَلِكَ مَعَ أَنَّ تَأْوِيلَ هَذَا - وَهُوَ حَقِيقَةٌ مَا دَلَّ عَلَيْهِ مِنْ الْمَلَائِكَةِ وَصِفَاتِهِمْ وَكَيْفِيَّةِ إرْسَالِ الرَّبِّ لَهُمْ - لَا يَعْلَمُهُ إلَّا اللَّهُ كَمَا قَدْ بُسِطَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ. و " الْمَقْصُودُ هُنَا " أَنَّ الْوَاجِبَ أَنْ يَجْعَلَ مَا قَالَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ هُوَ الْأَصْلَ وَيَتَدَبَّرَ مَعْنَاهُ وَيَعْقِلَ وَيَعْرِفَ بُرْهَانَهُ وَدَلِيلَهُ إمَّا الْعَقْلِيَّ وَإِمَّا الْخَبَرِيَّ السَّمْعِيَّ وَيَعْرِفَ دَلَالَةَ الْقُرْآنِ عَلَى هَذَا وَهَذَا وَتُجْعَلُ أَقْوَالُ النَّاسِ الَّتِي قَدْ تُوَافِقُهُ وَتُخَالِفُهُ مُتَشَابِهَةً مُجْمَلَةً فَيُقَالُ لِأَصْحَابِ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ: يُحْتَمَلُ كَذَا وَكَذَا وَيُحْتَمَلُ كَذَا وَكَذَا فَإِنْ أَرَادُوا بِهَا مَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute