الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ مِنْ بَعْدِي تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ} . مِثَالُ ذَلِكَ حَبْسُ عُمْرَ وَعُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا للأرضين الْمَفْتُوحَةِ وَتَرْكُ قِسْمَتِهَا عَلَى الْغَانِمِينَ. فَمَنْ قَالَ: إنَّ هَذَا لَا يَجُوزُ قَالَ: لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَسَمَ خَيْبَرَ وَقَالَ: إنَّ الْإِمَامَ إذَا حَبَسَهَا نُقِضَ حُكْمُهُ لِأَجْلِ مُخَالَفَةِ السُّنَّةِ فَهَذَا الْقَوْلُ خَطَأٌ وَجُرْأَةٌ عَلَى الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ؛ فَإِنَّ فِعْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خَيْبَرَ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ مَا فَعَلَهُ لَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِهِ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ مَعَنَا دَلِيلٌ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ ذَلِكَ لَكَانَ فِعْلُ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ دَلِيلًا عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ؛ فَكَيْفَ وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ فَتَحَ مَكَّةَ عَنْوَةً كَمَا اسْتَفَاضَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ؛ بَلْ تَوَاتَرَ ذَلِكَ عِنْدَ أَهْلِ الْمَغَازِي وَالسِّيَرِ؟ فَإِنَّهُ قَدِمَ حِينَ نَقَضُوا الْعَهْدَ وَنَزَلَ بِمَرِّ الظَّهْرَانِ وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ مِنْهُمْ يُصَالِحُهُ وَلَا أَرْسَلَ إلَيْهِمْ أَحَدًا يُصَالِحُهُمْ بَلْ خَرَجَ أَبُو سُفْيَانَ يَتَجَسَّسُ الْأَخْبَارَ فَأَخَذَهُ الْعَبَّاسُ وَقَدِمَ بِهِ كَالْأَسِيرِ وَغَايَتُهُ أَنْ يَكُونَ الْعَبَّاسُ أَمَّنَهُ فَصَارَ مُسْتَأْمَنًا ثُمَّ أَسْلَمَ فَصَارَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَعْقِدَ عَقْدَ صُلْحِ الْكُفَّارِ بَعْدَ إسْلَامِهِ بِغَيْرِ إذْنٍ مِنْهُمْ؟ مِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَّقَ الْأَمَانَ بِأَسْبَابِ كَقَوْلِهِ: {مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ وَمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute