للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالتَّقْوَى كَمَا أَنَّ نَوْمَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ وَمَوْتَهُ وَإِغْمَاءَهُ لَا يُزِيلُ حُكْمَ مَا تَقَدَّمَ قَبْلَ زَوَالِ عَقْلِهِ مِنْ إيمَانِهِ وَطَاعَتِهِ أَوْ كُفْرِهِ وَفِسْقِهِ بِزَوَالِ الْعَقْلِ، غَايَتُهُ أَنْ يُسْقِطَ التَّكْلِيفَ. وَرَفْعُ الْقَلَمِ لَا يُوجِبُ حَمْدًا وَلَا مَدْحًا وَلَا ثَوَابًا وَلَا يَحْصُلُ لِصَاحِبِهِ بِسَبَبِ زَوَالِ عَقْلِهِ مَوْهِبَةٌ مِنْ مَوَاهِبِ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ وَلَا كَرَامَةٌ مِنْ كَرَامَاتِ الصَّالِحِينَ بَلْ قَدْ رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْهُ كَمَا قَدْ يُرْفَعُ الْقَلَمُ عَنْ النَّائِمِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ وَالْمَيِّتِ وَلَا مَدْحَ فِي ذَلِكَ وَلَا ذَمَّ بَلْ النَّائِمُ أَحْسَنُ حَالًا مِنْ هَؤُلَاءِ؛ وَلِهَذَا كَانَ الْأَنْبِيَاءُ عَلَيْهِمْ السَّلَامُ يَنَامُونَ وَلَيْسَ فِيهِمْ مَجْنُونٌ وَلَا مُولَهٌ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجُوزُ عَلَيْهِ النَّوْمُ وَالْإِغْمَاءُ وَلَا يَجُوزُ عَلَيْهِ الْجُنُونُ وَكَانَ نَبِيُّنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَنَامُ عَيْنَاهُ وَلَا يَنَامُ قَلْبُهُ وَقَدْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ فِي مَرَضِهِ.

وَأَمَّا " الْجُنُونُ " فَقَدْ نَزَّهَ اللَّهُ أَنْبِيَاءَهُ عَنْهُ؛ فَإِنَّهُ مِنْ أَعْظَمِ نَقَائِصِ الْإِنْسَانِ؛ إذْ كَمَالُ الْإِنْسَانِ بِالْعَقْلِ وَلِهَذَا حَرَّمَ اللَّهُ إزَالَةَ الْعَقْلِ بِكُلِّ طَرِيقٍ وَحَرَّمَ مَا يَكُونُ ذَرِيعَةً إلَى إزَالَةِ الْعَقْلِ كَشُرْبِ الْخَمْرِ؛ فَحَرَّمَ الْقَطْرَةَ مِنْهَا وَإِنْ لَمْ تُزِلْ الْعَقْلَ؛ لِأَنَّهَا ذَرِيعَةٌ إلَى شُرْبِ الْكَثِيرِ الَّذِي يُزِيلُ الْعَقْلَ فَكَيْفَ يَكُونُ مَعَ هَذَا زَوَالُ الْعَقْلِ سَبَبًا أَوْ شَرْطًا أَوْ مُقَرِّبًا إلَى وِلَايَةِ اللَّهِ كَمَا يَظُنُّهُ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الضَّلَالِ حَتَّى قَالَ قَائِلُهُمْ فِي هَؤُلَاءِ: