للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {مِنْ حُسْنِ إسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ} . فَإِذَا خَاضَ فِيمَا لَا يَعْنِيهِ؛ نَقَصَ مِنْ حُسْنِ إسْلَامِهِ فَكَانَ هَذَا عَلَيْهِ. إذْ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ مَا هُوَ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ مُسْتَحِقًّا لِعَذَابِ جَهَنَّمَ وَغَضَبِ اللَّهِ بَلْ نَقْصُ قَدْرِهِ وَدَرَجَتِهِ عَلَيْهِ. وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} . فَمَا يَعْمَلُ أَحَدٌ إلَّا عَلَيْهِ أَوْ لَهُ فَإِنْ كَانَ مِمَّا أُمِرَ بِهِ كَانَ لَهُ. وَإِلَّا كَانَ عَلَيْهِ وَلَوْ أَنَّهُ يُنْقِصُ قَدْرَهُ. وَالنَّفْسُ طَبْعُهَا الْحَرَكَةُ لَا تَسْكُنُ قَطُّ؛ لَكِنْ قَدْ عَفَا اللَّهُ عَمَّا حَدَّثَ بِهِ الْمُؤْمِنُونَ أَنْفُسَهُمْ مَا لَمْ يَتَكَلَّمُوا بِهِ أَوْ يَعْمَلُوا بِهِ؛ فَإِذَا عَمِلُوا بِهِ دَخَلَ فِي الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ. فَإِذَا كَانَ اللَّهُ قَدْ كَرَّهَ إلَى الْمُؤْمِنِينَ جَمِيعَ الْمَعَاصِي وَهُوَ قَدْ حَبَّبَ إلَيْهِمْ الْإِيمَانَ الَّذِي يَقْتَضِي جَمِيعَ الطَّاعَاتِ إذَا لَمْ يُعَارِضْهُ ضِدٌّ بِاتِّفَاقِ النَّاسِ؛ فَإِنَّ الْمُرْجِئَةَ لَا تُنَازِعُ فِي أَنَّ الْإِيمَانَ الَّذِي فِي الْقَلْبِ يَدْعُو إلَى فِعْلِ الطَّاعَةِ وَيَقْتَضِي ذَلِكَ وَالطَّاعَةُ مِنْ ثَمَرَاتِهِ وَنَتَائِجِهِ لَكِنَّهَا تُنَازِعُ هَلْ يَسْتَلْزِمُ الطَّاعَةَ؟ فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ يَدْعُو إلَى الطَّاعَةِ؛ فَلَهُ مُعَارِضٌ مِنْ النَّفْسِ وَالشَّيْطَانِ، فَإِذَا كَانَ قَدْ كَرَّهَ إلَى الْمُؤْمِنِينَ الْمُعَارِضَ كَانَ الْمُقْتَضِي لِلطَّاعَةِ سَالِمًا عَنْ هَذَا الْمُعَارِضِ. وَأَيْضًا فَإِذَا كَرِهُوا جَمِيعَ السَّيِّئَاتِ لَمْ يَبْقَ إلَّا حَسَنَاتٌ أَوْ مُبَاحَاتٌ، وَالْمُبَاحَاتُ لَمْ تُبَحْ إلَّا لِأَهْلِ الْإِيمَانِ الَّذِينَ يَسْتَعِينُونَ بِهَا عَلَى الطَّاعَاتِ وَإِلَّا فَاَللَّهُ لَمْ يُبِحْ قَطُّ لِأَحَدِ شَيْئًا أَنْ يَسْتَعِينَ بِهِ عَلَى كُفْرٍ وَلَا فُسُوقٍ وَلَا عِصْيَانٍ؛ وَلِهَذَا لَعَنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَاصِرَ الْخَمْرِ وَمُعْتَصِرَهَا كَمَا لَعَنَ شَارِبَهَا، وَالْعَاصِرُ