أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ أَنَّهُ إذَا قُتِلَ كَبِيرٌ مِنْ الْقَبِيلَةِ قَتَلُوا بِهِ عَدَدًا مِنْ الْقَبِيلَةِ الْأُخْرَى غَيْرَ قَبِيلَةِ الْقَاتِلِ، وَإِذَا قُتِلَ ضَعِيفٌ مِنْ قَبِيلَةٍ لَمْ يَقْتُلُوا قَاتِلَهُ إذَا كَانَ رَئِيسًا مُطَاعًا فَأَبْطَلَ اللَّهُ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} فَالْمَكْتُوبُ عَلَيْهِمْ هُوَ الْعَدْلُ، وَهُوَ كَوْنُ النَّفْسِ بِالنَّفْسِ؛ إذْ الظُّلْمُ حَرَامٌ. وَأَمَّا اسْتِيفَاءُ الْحَقِّ فَهُوَ إلَى الْمُسْتَحِقِّ، وَهَذَا مِثْلُ قَوْلِهِ: {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ} أَيْ لَا يَقْتُلْ غَيْرَ قَاتِلِهِ. وَأَمَّا إذَا طَلَبَتْ إحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ حُكْمَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَقَالَتْ الْأُخْرَى نَحْنُ نَأْخُذُ حَقَّنَا بِأَيْدِينَا فِي هَذَا الْوَقْتِ: فَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ الذُّنُوبِ الْمُوجِبَةِ عُقُوبَةَ هَذَا الْقَاتِلِ الظَّالِمِ الْفَاجِرِ، وَإِذَا امْتَنَعُوا عَنْ حُكْمِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَلَهُمْ شَوْكَةٌ وَجَبَ عَلَى الْأَمِيرِ قِتَالُهُمْ؛ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ شَوْكَةٌ: عَرَفَ مَنْ امْتَنَعَ مِنْ حُكْمِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَأَلْزَمَ بِالْعَدْلِ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: لَنَا عَلَيْهِمْ حُقُوقٌ مِنْ سِنِينَ مُتَقَادِمَةٍ. فَيُقَالُ لَهُمْ نَحْنُ نَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِي الْحُقُوقِ الْقَدِيمَةِ وَالْحَدِيثَةِ، فَإِنَّ حُكْمَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ يَأْتِي عَلَى هَذَا.
وَأَمَّا مَنْ قَتَلَ أَحَدًا مِنْ بَعْدِ الِاصْطِلَاحِ، أَوْ بَعْدِ الْمُعَاهَدَةِ وَالْمُعَاقَدَةِ: فَهَذَا يَسْتَحِقُّ الْقَتْلَ، حَتَّى قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ: إنَّهُ يُقْتَلُ حَدًّا، وَلَا يَجُوزُ الْعَفْوُ عَنْهُ لِأَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ. وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ: بَلْ قَتْلُهُ قِصَاصٌ، وَالْخِيَارُ فِيهِ إلَى أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute