ثُمَّ قَدْ يَتَنَازَعُ هَؤُلَاءِ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ. فَإِنَّ هَذَا أَمْرٌ لَا بُدَّ مِنْهُ فِي الْعَالِمِ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَخْبَرَ بِأَنَّ هَذَا لَا بُدَّ مِنْ وُقُوعِهِ وَأَنَّهُ لَمَّا سَأَلَ رَبَّهُ أَنْ لَا يُلْقِي بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ مُنِعَ ذَلِكَ. فَلَا بُدَّ فِي الطَّوَائِفِ الْمُنْتَسِبَةِ إلَى السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ مِنْ نَوْعِ تَنَازُعٍ لَكِنْ لَا بُدَّ فِيهِمْ مِنْ طَائِفَةٍ تَعْتَصِمُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ كَمَا أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ تَنَازُعٌ وَاخْتِلَافٌ لَكِنَّهُ لَا يَزَالُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ طَائِفَةٌ قَائِمَةٌ بِالْحَقِّ لَا يَضُرُّهَا مَنْ خَالَفَهَا وَلَا مَنْ خَذَلَهَا حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ. وَلِهَذَا لَمَّا كَانَ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ وَأَصْحَابُهُ مُنْتَسِبِينَ إلَى السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ: كَانَ مُنْتَحِلًا لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ ذَاكِرًا أَنَّهُ مُقْتَدٍ بِهِ مُتَّبِعٌ سَبِيلَهُ. وَكَانَ بَيْنَ أَعْيَانِ أَصْحَابِهِ مِنْ الْمُوَافَقَةِ وَالْمُؤَالَفَةِ لِكَثِيرِ مِنْ أَصْحَابِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ مَا هُوَ مَعْرُوفٌ حَتَّى إنَّ أَبَا بَكْرٍ عَبْدَ الْعَزِيزِ يَذْكُرُ مِنْ حُجَجِ أَبِي الْحَسَنِ فِي كَلَامِهِ مِثْلَ مَا يُذْكَرُ مِنْ حُجَجِ أَصْحَابِهِ لِأَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُ مِنْ مُتَكَلِّمَةِ أَصْحَابِهِ.
وَكَانَ مِنْ أَعْظَمِ الْمَائِلِينَ إلَيْهِمْ التَّمِيمِيُّونَ: أَبُو الْحَسَنِ التَّمِيمِيُّ وَابْنُهُ وَابْنُ ابْنِهِ وَنَحْوُهُمْ؛ وَكَانَ بَيْنَ أَبِي الْحَسَنِ التَّمِيمِيِّ وَبَيْنَ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ بْنِ الْبَاقِلَانِي مِنْ الْمَوَدَّةِ وَالصُّحْبَةِ مَا هُوَ مَعْرُوفٌ مَشْهُورٌ. وَلِهَذَا اعْتَمَدَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ البيهقي فِي كِتَابِهِ الَّذِي صَنَّفَهُ فِي مَنَاقِبِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - لَمَّا ذَكَرَ اعْتِقَادَهُ - اعْتَمَدَ عَلَى مَا نَقَلَهُ مِنْ كَلَامِ أَبِي الْفَضْلِ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ التَّمِيمِيِّ. وَلَهُ فِي هَذَا الْبَابِ مُصَنَّفٌ ذَكَرَ فِيهِ مِنْ اعْتِقَادِ أَحْمَدَ مَا فَهِمَهُ؛ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ أَلْفَاظَهُ وَإِنَّمَا ذَكَرَ جُمَلَ الِاعْتِقَادِ بِلَفْظِ نَفْسِهِ وَجَعَلَ يَقُولُ: " وَكَانَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ". وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ يُصَنِّفُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute