كِتَابًا فِي الْفِقْهِ عَلَى رَأْيِ بَعْضِ الْأَئِمَّةِ وَيَذْكُرُ مَذْهَبَهُ بِحَسَبِ مَا فَهِمَهُ وَرَآهُ وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ بِمَذْهَبِ ذَلِكَ الْإِمَامِ أَعْلَمَ مِنْهُ بِأَلْفَاظِهِ وَأَفْهَمَ لِمَقَاصِدِهِ؛ فَإِنَّ النَّاسَ فِي نَقْلِ مَذَاهِبِ الْأَئِمَّةِ قَدْ يَكُونُونَ بِمَنْزِلَتِهِمْ فِي نَقْلِ الشَّرِيعَةِ. وَمِنْ الْمَعْلُومِ: أَنَّ أَحَدَهُمْ يَقُولُ: حُكْمُ اللَّهِ كَذَا أَوْ حُكْمُ الشَّرِيعَةِ كَذَا بِحَسَبِ مَا اعْتَقَدَهُ عَنْ صَاحِبِ الشَّرِيعَةِ؛ بِحَسَبِ مَا بَلَغَهُ وَفَهِمَهُ وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ أَعْلَمَ بِأَقْوَالِ صَاحِبِ الشَّرِيعَةِ وَأَعْمَالِهِ وَأَفْهَمَ لِمُرَادِهِ. فَهَذَا أَيْضًا مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي يَكْثُرُ وُجُودُهَا فِي بَنِي آدَمَ. وَلِهَذَا قَدْ تَخْتَلِفُ الرِّوَايَةُ فِي النَّقْلِ عَنْ الْأَئِمَّةِ كَمَا يَخْتَلِفُ بَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ فِي النَّقْلِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعْصُومٌ. فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَصْدُرَ عَنْهُ خَبَرَانِ مُتَنَاقِضَانِ فِي الْحَقِيقَةِ. وَلَا أَمْرَانِ مُتَنَاقِضَانِ فِي الْحَقِيقَةِ إلَّا وَأَحَدُهُمَا نَاسِخٌ وَالْآخَرُ مَنْسُوخٌ. وَأَمَّا غَيْرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَيْسَ بِمَعْصُومِ. فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَدْ قَالَ خَبَرَيْنِ مُتَنَاقِضَيْنِ. وَأَمْرَيْنِ مُتَنَاقِضَيْنِ وَلَمْ يَشْعُرْ بِالتَّنَاقُضِ. لَكِنْ إذَا كَانَ فِي الْمَنْقُولِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَحْتَاجُ إلَى تَمْيِيزٍ وَمَعْرِفَةٍ - وَقَدْ تَخْتَلِفُ الرِّوَايَاتُ حَتَّى يَكُونَ بَعْضُهَا أَرْجَحَ مِنْ بَعْضٍ وَالنَّاقِلُونَ لِشَرِيعَتِهِ بِالِاسْتِدْلَالِ بَيْنَهُمْ اخْتِلَافٌ كَثِيرٌ - لَمْ يُسْتَنْكَرْ وُقُوعُ نَحْوٍ مِنْ هَذَا فِي غَيْرِهِ؛ بَلْ هُوَ أَوْلَى بِذَلِكَ. لِأَنَّ اللَّهَ قَدْ ضَمِنَ حِفْظَ الذِّكْرِ الَّذِي أَنْزَلَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَلَمْ يَضْمَنْ حِفْظَ مَا يُؤْثَرُ عَنْ غَيْرِهِ. لِأَنَّ مَا بَعَثَ اللَّهُ بِهِ رَسُولَهُ مِنْ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ هُوَ هُدَى اللَّهِ الَّذِي جَاءَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَبِهِ يُعْرَفُ سَبِيلُهُ وَهُوَ حُجَّتُهُ عَلَى عِبَادِهِ؛
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute