أَنَّ جَمِيعَ الْعَالَمِ صَدَرَ عَنْ الْعَقْلِ الْأَوَّلِ وَهُوَ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا عِنْدَهُمْ وَإِنْ كَانَ مَرْبُوبًا لِلْوَاجِبِ بِنَفْسِهِ وَهُوَ عِنْدَهُمْ مُتَوَلِّدٌ عَنْ اللَّهِ لَازِمٌ لِذَاتِهِ وَلَيْسَ هَذَا قَوْلَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْمِلَلِ لَا الْمُسْلِمِينَ وَلَا الْيَهُودِ وَلَا النَّصَارَى إلَّا مَنْ أَلْحَدَ مِنْهُمْ وَلَا هُوَ قَوْلُ الْمَجُوسِ وَلَا جُمْهُورِ الصَّابِئِينَ وَلَا أَكْثَرِ الْمُشْرِكِينَ وَلَا جُمْهُورِ الْفَلَاسِفَةِ بَلْ هُوَ قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ. وَأَيْضًا فَإِنَّ الْعَقْلَ فِي لُغَةِ الْمُسْلِمِينَ عَرَضٌ مِنْ الْأَعْرَاضِ قَائِمٌ بِغَيْرِهِ وَهُوَ غَرِيزَةٌ أَوْ عِلْمٌ أَوْ عَمَلٌ بِالْعِلْمِ؛ لَيْسَ الْعَقْلُ فِي لُغَتِهِمْ جَوْهَرًا قَائِمًا بِنَفْسِهِ فَيَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ أَوَّلَ الْمَخْلُوقَاتِ عَرَضًا قَائِمًا بِغَيْرِهِ فَإِنَّ الْعَرَضَ لَا يَقُومُ إلَّا بِمَحَلِّ فَيَمْتَنِعُ وُجُودُهُ قَبْلَ وُجُودِ شَيْءٍ مِنْ الْأَعْيَانِ وَأَمَّا أُولَئِكَ الْمُتَفَلْسِفَةُ: فَفِي اصْطِلَاحِهِمْ أَنَّهُ جَوْهَرٌ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ وَلَيْسَ هَذَا الْمَعْنَى هُوَ مَعْنَى الْعَقْلِ فِي لُغَةِ الْمُسْلِمِينَ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاطَبَ الْمُسْلِمِينَ بِلُغَةِ الْعَرَبِ لَا بِلُغَةِ الْيُونَانِ فَعَلِمَ أَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي أَرَادَهُ الْمُتَفَلْسِفَةُ لَمْ يَقْصِدْهُ الرَّسُولُ لَوْ كَانَ تَكَلَّمَ بِهَذَا اللَّفْظِ فَكَيْفَ إذَا لَمْ يَتَكَلَّمْ بِهِ.
وَأَمَّا الْحَدِيثُ الثَّانِي وَهُوَ قَوْلُهُ: {أُمِرْت أَنْ أُخَاطِبَ النَّاسَ عَلَى قَدْرِ عُقُولِهِمْ} فَهَذَا لَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ مِنْ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِمْ فِي الرِّوَايَةِ وَلَيْسَ هُوَ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِهِمْ وَخِطَابُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِلنَّاسِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute