للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هَذَا لَا يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ ذَاكَ هُوَ مُرَادُ اللَّهِ وَمَأْمُورُهُ؛ فَإِنَّ عَجْزَ الْإِنْسَانِ عَنْ فَهْمِ كَلَامِ الْعَالِمِ لَا يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ قَدْ أَرَادَ بِكَلَامِهِ ذَلِكَ الْمَعْنَى وَأَنْ يَكُونَ الَّذِي فَهِمَهُ هُوَ الْمُصِيبُ الَّذِي لَهُ الْأَجْرَانِ. وَلِهَذَا تَنَازَعَ أَصْحَابُنَا فِيمَنْ لَمْ يُصِبْ الْحُكْمَ الْبَاطِنَ: هَلْ يُقَالُ: إنَّهُ مُصِيبٌ فِي الظَّاهِرِ؛ لِكَوْنِهِ أَدَّى الْوَاجِبَ الْمَقْدُورَ عَلَيْهِ مِنْ اجْتِهَادِهِ وَاقْتِصَارِهِ؟ أَوْ لَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْإِصَابَةِ بِحَالِ وَإِنْ كَانَ لَهُ أَجْرٌ عَلَى اجْتِهَادِهِ وَقَصْدِهِ الْحَقَّ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ هُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَد وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يُصِبْ الْحُكْمَ الْبَاطِنَ وَلَكِنْ قَصَدَ الْحَقَّ وَهَلْ اجْتَهَدَ الِاجْتِهَادَ الْمَأْمُورَ بِهِ؟ التَّحْقِيقُ: أَنَّهُ اجْتَهَدَ الِاجْتِهَادَ الْمَقْدُورَ عَلَيْهِ فَهُوَ مُصِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ جِهَةِ الْمَأْمُورِ الْمَقْدُورِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُصِيبًا مِنْ جِهَةِ إدْرَاكِ الْمَطْلُوبِ وَفِعْلُ الْمَأْمُورِ الْمُطْلَقِ. يُوَضِّحُ ذَلِكَ أَنَّ السُّلْطَانَ نَوْعَانِ: سُلْطَانُ الْحُجَّةِ وَالْعِلْمِ وَهُوَ أَكْثَرُ مَا سُمِّيَ فِي الْقُرْآنِ سُلْطَانًا حَتَّى رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ كُلَّ سُلْطَانٍ فِي الْقُرْآنِ فَهُوَ الْحُجَّةُ. وَالثَّانِي سُلْطَانُ الْقُدْرَةِ. وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ لَا يَقُومُ إلَّا بِالسُّلْطَانَيْنِ فَإِذَا ضَعُفَ سُلْطَانُ الْحُجَّةِ كَانَ الْأَمْرُ بِقَدْرِهِ وَإِذَا ضَعُفَ سُلْطَانُ الْقُدْرَةِ كَانَ الْأَمْرُ بِحَسَبِهِ وَالْأَمْرُ مَشْرُوطٌ بِالْقُدْرَةِ عَلَى السُّلْطَانَيْنِ فَالْإِثْمُ يَنْتَفِي عَنْ الْأَمْرِ بِالْعَجْزِ عَنْ كُلٍّ مِنْهُمَا. وَسُلْطَانُ اللَّهِ فِي الْعِلْمِ هُوَ الرِّسَالَةُ وَهُوَ حُجَّةُ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: