للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَصْلٌ:

وَأَمَّا الَّذِينَ قَالُوا: إنَّ الِاسْمَ غَيْرُ الْمُسَمَّى فَهُمْ إذَا أَرَادُوا أَنَّ الْأَسْمَاءَ الَّتِي هِيَ أَقْوَالٌ لَيْسَتْ نَفْسُهَا هِيَ الْمُسَمَّيَاتُ فَهَذَا أَيْضًا لَا يُنَازِعُ فِيهِ أَحَدٌ مِنْ الْعُقَلَاءِ. وَأَرْبَابِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ لَا يُنَازِعُونَ فِي هَذَا؛ بَلْ عَبَّرُوا عَنْ الْأَسْمَاءِ هُنَا بِالتَّسْمِيَاتِ وَهُمْ أَيْضًا لَا يُمْكِنُهُمْ النِّزَاعُ فِي أَنَّ الْأَسْمَاءَ الْمَذْكُورَةَ فِي الْكَلَامِ مِثْلُ قَوْلِهِ يَا آدَمَ يَا نُوحُ يَا إبْرَاهِيمُ إنَّمَا أُرِيدَ بِهَا نِدَاءُ الْمُسَمِّينَ بِهَذِهِ الْأَسْمَاءِ. وَإِذَا قِيلَ: خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فَالْمُرَادُ خَلَقَ الْمُسَمَّى بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ؛ لَمْ يَقْصِدْ أَنَّهُ خَلَقَ لَفْظَ السَّمَاءِ وَلَفْظَ الْأَرْضِ وَالنَّاسُ لَا يَفْهَمُونَ مِنْ ذَلِكَ إلَّا الْمَعْنَى الْمُرَادَ بِهِ وَلَا يَخْطُرُ بِقَلْبِ أَحَدٍ إرَادَةُ الْأَلْفَاظِ؛ لِمَا قَدْ اسْتَقَرَّ فِي نُفُوسِهِمْ مِنْ أَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ وَالْأَسْمَاءَ يُرَادُ بِهَا الْمَعَانِي وَالْمُسَمَّيَاتُ؛ فَإِذَا تَكَلَّمَ بِهَا فَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ؛ لَكِنْ لَا يُعْلَمُ أَنَّهُ الْمُرَادُ إنْ لَمْ يَنْطِقْ بِالْأَلْفَاظِ وَالْأَسْمَاءِ الْمُبَيِّنَةِ لِلْمُرَادِ الدَّالَّةِ عَلَيْهِ. وَهَذَا مِنْ الْبَيَانِ الَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ بِهِ عَلَى بَنِي آدَمَ فِي قَوْلِهِ: {خَلَقَ الْإِنْسَانَ} {عَلَّمَهُ الْبَيَانَ} وَقَدْ عَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.