للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حُجَّةٌ؛ بَلْ {فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} كُلُّ نِعْمَةٍ مِنْهُ فَضْلٌ، وَكُلُّ نِقْمَةٍ مِنْهُ عَدْلٌ. وَعَلَى الْعَبْدِ أَنْ يُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْتَجَّ بِهِ عَلَى اللَّهِ؛ فَالْإِيمَانُ بِهِ هُدًى؛ وَالِاحْتِجَاجُ بِهِ عَلَى اللَّهِ ضَلَالٌ وَغَيٌّ، بَلْ الْإِيمَانُ بِالْقَدَرِ يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ صَبَّارًا شَكُورًا؛ صَبُورًا عَلَى الْبَلَاءِ، شَكُورًا عَلَى الرَّخَاءِ، إذَا أَصَابَتْهُ نِعْمَةٌ عَلِمَ أَنَّهَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَشَكَرَهُ، سَوَاءٌ كَانَتْ النِّعْمَةُ حَسَنَةً فَعَلَهَا، أَوْ كَانَتْ خَيْرًا حَصَلَ بِسَبَبِ سَعْيِهَا، فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الَّذِي يَسَّرَ عَمَلَ الْحَسَنَاتِ، وَهُوَ الَّذِي تَفَضَّلَ بِالثَّوَابِ عَلَيْهَا، فَلَهُ الْحَمْدُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ. وَإِذَا أَصَابَتْهُ مُصِيبَةٌ صَبَرَ عَلَيْهَا، وَإِنْ كَانَتْ تِلْكَ الْمُصِيبَةُ قَدْ جَرَتْ عَلَى يَدِ غَيْرِهِ، فَاَللَّهُ هُوَ الَّذِي سَلَّطَ ذَلِكَ الشَّخْصَ، وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ أَفْعَالَهُ، وَكَانَتْ مَكْتُوبَةً عَلَى الْعَبْدِ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} {لِكَيْ لَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ} وَقَالَ تَعَالَى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} . قَالُوا: هُوَ الرَّجُلُ تُصِيبُهُ الْمُصِيبَةُ فَيَعْلَمُ أَنَّهَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَيَرْضَى وَيُسَلِّمُ. وَعَلَيْهِ إذَا أَذْنَبَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ وَيَتُوبَ، وَلَا يَحْتَجَّ عَلَى اللَّهِ بِالْقَدَرِ، وَلَا يَقُولَ: أَيُّ ذَنْبٍ لِي وَقَدْ قُدِّرَ عَلَيَّ هَذَا الذَّنْبُ؛ بَلْ يَعْلَمُ أَنَّهُ هُوَ الْمُذْنِبُ الْعَاصِي الْفَاعِلُ لِلذَّنْبِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ كُلُّهُ بِقَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ وَمَشِيئَتِهِ، إذْ لَا يَكُونُ شَيْءٌ إلَّا بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ وَخَلْقِهِ؛ لكن الْعَبْدَ هُوَ الَّذِي أَكَلَ الْحَرَامَ، وَفَعَلَ الْفَاحِشَةَ،