فَالْمُعْتَادَةُ: كَوِلَادَةِ الْآدَمِيِّ مِنْ أَبَوَيْنِ وَالْغَرِيبَةُ: كَوِلَادَةِ الْإِنْسَانِ مِنْ أُمٍّ فَقَطْ كَمَا وُلِدَ عِيسَى أَوْ مِنْ أَبٍ فَقَطْ كَمَا وُلِدَتْ حَوَّاءُ أَوْ مِنْ غَيْرِ أَبَوَيْنِ كَمَا خُلِقَ آدَمَ أَبُو الْبَشَرِ مِنْ طِينٍ. فَجَمِيعُ الْأَسْبَابِ قَدْ تَقَدَّمَ عِلْمُ اللَّهِ بِهَا وَكِتَابَتُهُ لَهَا وَتَقْدِيرُهُ إيَّاهَا وَقَضَاؤُهُ بِهَا كَمَا تَقَدَّمَ رَبْطُ ذَلِكَ بِالْمُسَبَّبَاتِ كَذَلِكَ أَيْضًا الْأَسْبَابُ الَّتِي بِهَا يُخْلَقُ النَّبَاتُ مِنْ إنْزَالِ الْمَطَرِ وَغَيْرِهِ مِنْ هَذَا الْبَابِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ} وَقَالَ: {فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ} . وَقَالَ: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} وَأَمْثَالُ ذَلِكَ. فَجَمِيعُ ذَلِكَ مُقَدَّرٌ مَعْلُومٌ مَقْضِيٌّ مَكْتُوبٌ قَبْلَ تَكْوِينِهِ؛ فَمَنْ ظَنَّ أَنَّ الشَّيْءَ إذَا عُلِمَ وَكُتِبَ أَنَّهُ يَكْفِي ذَلِكَ فِي وُجُودِهِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى مَا بِهِ يَكُونُ مِنْ الْفَاعِلِ الَّذِي يَفْعَلُهُ، وَسَائِرِ الْأَسْبَابِ؛ فَهُوَ جَاهِلٌ ضَالٌّ ضَلَالًا مُبِينًا؛ مِنْ وَجْهَيْنِ. (أَحَدُهُمَا مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ جَعَلَ الْعِلْمَ جَهْلًا؛ فَإِنَّ الْعِلْمَ يُطَابِقُ الْمَعْلُومَ؛ وَيَتَعَلَّقُ بِهِ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ؛ وَهُوَ سُبْحَانَهُ قَدْ عَلِمَ أَنَّ الْمُكَوِّنَاتِ تَكُونُ بِمَا يَخْلُقُهُ مِنْ الْأَسْبَابِ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْوَاقِعُ فَمَنْ قَالَ: إنَّهُ يَعْلَمُ شَيْئًا بِدُونِ الْأَسْبَابِ؛ فَقَدْ قَالَ عَلَى اللَّهِ الْبَاطِلَ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ قَالَ: إنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الْوَلَدَ وُلِدَ بِلَا أَبَوَيْنِ وَأَنَّ هَذَا النَّبَاتَ نَبَتَ بِلَا مَاءٍ فَإِنَّ تَعَلُّقَ الْعِلْمِ بِالْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلِ سَوَاءٌ فَكَمَا أَنَّ مَنْ أَخْبَرَ عَنْ الْمَاضِي بِعِلْمِ اللَّهِ بِوُقُوعِهِ بِدُونِ الْأَسْبَابِ يَكُونُ مُبْطِلًا؛ فَكَذَلِكَ مَنْ أَخْبَرَ عَنْ الْمُسْتَقْبَلِ كَقَوْلِ الْقَائِلِ: إنَّ اللَّهَ عَلِمَ أَنَّهُ خَلَقَ آدَمَ مِنْ غَيْرِ طِينٍ وَعَلِمَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute