للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ التَّعْلِيمَ وَالتَّذْكِيرَ وَالْإِنْذَارَ وَالْهُدَى وَنَحْوَ ذَلِكَ لَهُ فَاعِلٌ وَلَهُ قَابِلٌ. فَالْمُعَلِّمُ الْمُذَكِّرُ يُعَلِّمُ غَيْرَهُ ثُمَّ ذَلِكَ الْغَيْرُ قَدْ يَتَعَلَّمُ وَيَتَذَكَّرُ وَقَدْ لَا يَتَعَلَّمُ وَلَا يَتَذَكَّرُ. فَإِنْ تَعَلَّمَ وَتَذَكَّرَ فَقَدْ تَمَّ التَّعْلِيمُ وَالتَّذْكِيرُ وَإِنْ لَمْ يَتَعَلَّمْ وَلَمْ يَتَذَكَّرْ فَقَدْ وُجِدَ أَحَدُ طَرَفَيْهِ وَهُوَ الْفَاعِلُ دُونَ الْمَحَلِّ الْقَابِلِ. فَيُقَالُ فِي مِثْلِ هَذَا: عَلَّمْته فَمَا تَعَلَّمَ وَذَكَّرْته فَمَا تَذَكَّرَ وَأَمَرْته فَمَا أَطَاعَ. وَقَدْ يُقَالُ " مَا عَلَّمْته وَمَا ذَكَّرْته " لِأَنَّهُ لَمْ يُحَصِّلْ تَامًّا وَلَمْ يُحَصِّلْ مَقْصُودَهُ فَيُنْفَى لِانْتِفَاءِ كَمَالِهِ وَتَمَامِهِ. وَانْتِفَاءِ فَائِدَتِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُخَاطَبِ السَّامِعِ وَإِنْ كَانَتْ الْفَائِدَةُ حَاصِلَةً لِلْمُتَكَلِّمِ الْقَائِلِ الْمُخَاطَبِ. فَحَيْثُ خُصَّ بِالتَّذْكِيرِ وَالْإِنْذَارِ وَنَحْوِهِ الْمُؤْمِنُونَ فَهُمْ مَخْصُوصُونَ بِالتَّامِّ النَّافِعِ الَّذِي سَعِدُوا بِهِ. وَحَيْثُ عُمِّمَ فَالْجَمِيعُ مُشْتَرِكُونَ فِي الْإِنْذَارِ الَّذِي قَامَتْ بِهِ الْحُجَّةُ عَلَى الْخَلْقِ سَوَاءٌ قَبِلُوا أَوْ لَمْ يَقْبَلُوا.

وَهَذَا هُوَ الْهُدَى الْمَذْكُورُ فِي قَوْلِهِ: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى} فَالْهُدَى هُنَا هُوَ الْبَيَانُ وَالدَّلَالَةُ وَالْإِرْشَادُ الْعَامُّ الْمُشْتَرَكُ. وَهُوَ كَالْإِنْذَارِ الْعَامِّ وَالتَّذْكِيرِ الْعَامِّ. وَهُنَا قَدْ هَدَى الْمُتَّقِينَ وَغَيْرَهُمْ كَمَا قَالَ: {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} وَأَمَّا قَوْلُهُ: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} فَالْمَطْلُوبُ الْهُدَى الْخَاصُّ